المدارس الوقفية واثارها العلمية والفكرية
في العراق
بحث مقدم الى مؤتمر اثر الوقف الاسلامي في النهضة العلمية
الذي تعقده جامعة الشارقة في دولة الامارات العربية المتحدة
للفترة من 4-5 مايس 2011
أ.م.د.صلاح عريبي عباس
العراق
جامعة كركوك / كلية التربية
المقدمة :
الحمد لله رب العالمين وافضل الصلاة واتم التسليم على خاتم الانبياء والمرسلين مبتدأ البر والخير سيدنا محمد الصادق الامين.
وبعد فمما لا شك فيه ان نظام الوقف الإسلامي من أرقى الأنظمة الاقتصادية التي انتجها الفكر الاسلامي والتي ساهمت في تشييد بنية الحضارة الاسلامية ، فقد اسهم الوقف في بناء صروح العلم ونشرها عن طريق المساجد والكتاتيب والمدارس والمكتبات ، وتخرج في هذه المؤسسات الكثير من العلماء والباحثين في شتى الميادين .
والعراق حاله حال بقية البلاد الإسلامية ضم عبر تاريخه العديد من الأوقاف الإسلامية التي كان لها بالغ الأثر في تطوره العلمي والفكري ، وكان للمدارس الوقفية الحظ الاوفر في هذا المجال ، فهي باختلاف مراحلها التعليمة كانت متعددة الغايات فمنها مدارس لتعليم الدين ومنها مدارس لتدريس علوم الاداب والصيدلة والطب وغيرها من العلوم المعرفية ، وكانت تضم اماكن لنوم للطلبة الغرباء وقاعات للمطالعة والبحث العلمي والكتابة والمرافق الصحية ، ومن اجل الارتقاء بمستوى الطلبة من جهة ، ورفع المستوى العلمي والفكري جهة ثانية عمد الكثير من الخيرين الى وقف المكتبات من خلال تخصيص بنايات لهذا الغرض او عن طريق تزويد المكتبات بالكتب التي يحتاج اليها الباحثين في شتى التخصصات.
ومن المعروف ان مفهوم الوقف يشمل جانبين جانب فقهي تشريعي( )، وجانب عملي تطبيقي ، ولما كان اغلب الدراسات الوقفية تركز بدرجة كبيرة على الجانب الاول ، وما يتيحه الجانب الثاني من فرصة للاطلاع على الانجازات الحضارية العظيمة لامتنا الاسلامية (خير امة اخرجت للناس) فقد جاءت هذه الدراسة لتسلط الضوء على جانب عملي تطبيقي يتمثل بمؤسسة وقفية مهمة وهي المدارس الوقفية ودورها العلمي والفكري في العراق .
اقتضت طبيعة الدراسة ان يقسم الباحث دراسته الى اربعة محاور تناول المحور الاول دراسة نشاة المدارس الوقفية في العراق وقبل الخوض في تفاصيل هذه النشأة كان لابد لنا من الاشارة الى طبيعة المؤسسات التعليمية الوقفية قبل انشاء المدارس المتمثلة بالمساجد والكتاتيب والأربطة والخانقاة ودورها في نشر العلم والثقافة. ومن ثم تمت الإشارة الى نشأة المدارس الوقفية التي يجمع اغلب المؤرخين على ان بداية ظهورها في العالم الاسلامي كانت في العراق حيث أنشأة من قبل نظام الملك ، وتتبعنا اهم المدارس الوقفية في العراق منذ تأسيسها وحتى نهاية العهد العثماني .
اما المحور الثاني فقد تم التركيز فيه على دراسة المدارس الوقفية من حيث التصميم والاوقاف الموقفة عليها والنظام الداخلي المتبع فيها ، وجاء المحور الثالث ليتناول مؤسسة وقفية كان دورها مكملا للمدارس الا وهي المكتبات الوقفية ، في حين تركز المحور الرابع على دراسة اهم الآثار العلمية والفكرية للمدارس الوقفية في العراق .
اولا : نشأة المدارس الوقفية وتطورها في العراق
ـــــ نبذة عن المؤسسات التعليمية الأولى ودور الأوقاف فيها
قبل الحديث عن نشأة المدارس الوقفية لابد لنا من إعطاء فكرة بسيطة عن المؤسسات التعليمية التي سبقت المدارس والتي كان للوقف دورا كبيرا في ظهورها ، فقد ادت أروقة المساجد والجوامع دورا بناء في الحركة التعليمية قبل ظهور المدارس( ) ففضلا عن كونها المؤسسة الاولى في الدولة الإسلامية كانت دار للعلم( ) ، ومركزا للحلقات العلمية والادبية ، يلتقي بين أروقتها المعلمون والمتعلمون ليتدارسوا أصول عقيدتهم الدينية وأركانها( ), وقد كان للمساجد والجوامع أثر عميق في إنجاب مجموعات متعددة وأعداد كثيرة من الأجيال العلمية التي برزت في ميادين مختلفة من العلوم، فلم تقتصر مهمة الجامع والمسجد على الخطبة, والصلاة, بل تعدته إلى أبعد من ذلك, فأصبح قبلة لكل طالب علم, ومأوى لكل رحالة ينشد هذا الهدف, ولهذا أوقف الخلفاء والأمراء والتجار والمحسنون الكثير من الأوقاف على المساجد لخدمة طلبة العلم الذين يترددون إلى هذه الحلقة العلمية أو تلك( ) ، وهناك الكثير من الأمثلة على ذلك نكتفي منها بما يذكره المقدسي حيث يشير الى ان جميلة بنت ناصر الدولة الحمداني أوقفت على جامع النبي يونس في الموصل اوقافا جليلة( ).
الى جانب المساجد كانت هناك مؤسسات تعليمية أخرى تأخذ على عاتقها مهمة تعليم المسلمين قبل ظهور المدارس خلال العصور الإسلامية الاولى ، وقد تكفل الوقف بتوفير الدعم الكافي لها لاستمرار عطائها ، وقد تمثلت هذه المؤسسات بما يأتي :
1.الكتاتيب: لان المسجد لم يعد يستوعب جميع طلبة العلم بمختلف أعمارهم ، ولان الطفل لا يدرك ادراكا تاما لاداب المسجد وحرماته ، ولان تعليم الأولاد واجبا شرعيا فقد تولى أولياء الامور والمحسنون المسلمون امر إنشاء الكتاتيب لتعليم الناشئة والإنفاق عليهم ، والكتاتيب هي احدى الصيغ التدريسية المبسطة جدا والتي تعتمد على وجود المعلم ، ولا يشترط في هذا المعلم سوى ان يكون من حفظة القران الكريم وما يتطلب ذلك من معرفة للقراءة والكتابة ، وقد بدأ ظهورها منذ العصر الإسلامي الاول ، وفي العصر الاموي والعباسي تطورت وظهرت الكتاتيب الخاصة في القصور لأبناء الخلفاء والوجهاء والموسرين ، كما كانت هناك كتاتيب عامة لليتامى وابناء الفقراء والمساكين ، وهذه الكتاتيب انتشرت في كل إنحاء العالـــــــم الإسلامي( ) .
وفي العهد العثماني استمر وقف الكتاتيب ودعمها لتعليم الفقراء واليتامى والمساكين ، وقد انتشرت في إنحاء مختلفة من الولايات العراقية ، ومما ساعد على انتشارها ان الدولة العثمانية في البداية لم تكن تعد الخدمات التعليمية من اختصاصها ، وإنما من اختصاص الاهالي( ) ، وكان التعليم في هذه المؤسسات مجانيا ، الا ان الاباء عادة كانوا يسهمون في تقديم بعض الاموال الى المعلمين الذين يعلمون الأطفال القران الكريم والكتابة والحساب ، ولم تقدم الحكومة العثمانية اية مساعدات مالية لهذه الكتاتيب التي ظلت تعمل وفق أساليب تعليمية متخلفة( ).
2. الربط:من الناحية اللغوية هو ما تشد به الدابه او القربة والمرابطة ملازمة ثغر العدو( ) ، اما اصطلاحا فقد قال عنها السهروردي بأنها بيت الصوفية ، وحاول الربط بينها وبين اهل الصفة في مسجد النبي (صلى الله عليه وسلم) ، وقصد من هذا الربط إضفاء الصفة الشرعة على هذه الفئة ، في حين حاول المقريزي إرجاع ظهور الربط الى عهد خلافة عثمان بن عفان (رضي الله عنه) عندما امر ببناء بيت لبعض عباد البصرة ليتفرغوا للعبادة وامر بتوفير الطعام والشراب والملابس لهم( ).وقبل ان يتحول مصطلح الربط بمرور الزمن الى معنى مدني داخل الحواضر الإسلامية ، عرف بمعنى اللازمة للثغور وحفظها من العدو( ).
ثم استعير الاسم للاماكن التي يتخذها المتصوفة والزهاد للانقطاع فيها للعبادة والدراسة ، ومجاهدة النفس ، وكان نزلا الربط هم من الشيوخ والعلماء والطلاب ، فضلا عن وجود ملاك خدمي( ) ، وقد انتشرت في مناطق متفرقة من العراق واشتهرت بتقديم خدمات اجتماعية وتعليمية رائدة ، ومن هذه الربط على سبيل المثال رباط قصر حرب بالموصل الذي كان مقصدا لطلاب العلم والادب في العصر الزنكي ، اذ عكف فيه الطلبة على أبناء الاثير يدرسون ويحققون ، وهم مكفولين في الرباط ينفق عليهم بما وقف عليه من اوقاف( ) .
3.الخانقاه: كلمة فارسية الأصل معناها البيت واصلها خوانقاه وهو الموضع الذي يأكل فيه الملك( ) ، وهناك من قال بانها البقعة التي يسكنها أهل الخير من الصوفية ، وعلى العموم يمكن القول انها مؤسسة تعليمة سبقت ظهور المدارس وكان ظهورها في القرن الرابع للهجرة ، وبدأ فيها الصوفية يقومون بجانب ممارستهم للتصوف وما يتبعه من امور متعلقة به ، بالعمل على طلب العلم وحضور الدروس التي يعينها الواقف على الخانقاه( ) .
ولا يمكن اغفال دور المؤسسات الثقافية الأخرى التي سبقت المدارس وهي بيت الحكمة في بغداد ، حيث كانت اشبه بالمجمع العلمي اليوم( ) وهي اول مؤسسة ثقافية تعليمية في بغداد ، أنشاها الخليفة هارون الرشيد (170-193هــ) ثم طورها ابنه المامون (218-227هـــ) فأصبحت مكانا خاصة لرعاية العلم والثقافة( ) .
ــــــ نشأة المدارس الوقفية
ظهرت المدارس المستقلة والمنفصلة عن المساجد ، وحلقاتها العلمية ، نتيجة للنمو الطبيعي لما سبقها من مؤسسات علمية ، ولمواكبة متطلبات العصر ، وبصفة رئيسة للوقوف في وجه التيارات الفكرية والعقائدية المنحرفة ، وكانت المدارس عبارة عن مؤسسات تعليمية مستقلة ، اختير للتدريس فيها العلماء الأكفاء ، وطلابها متفرغون ووقفت لهم المصروفات والإعاشة والإنفاق فضلا عن الدراسة والعلاج ، وقد شارك في هذه الأنماط الوقفية قطاع عريض من المجتمع خلفاء وسلاطين وامراء واثرياء وعلماء وبعض عامة الناس.
ظهرت المدارس لاول مرة في القرن الرابع الهجري( ) ، وبلغت أوجها في القرن الخامس الهجري من خلال المدارس النظامية التي أنشأها الوزير السلجوقي نظام الملك( ) (1027ـــــــــ1096م) في بغداد وأماكن اخرى من البلاد الإسلامية ، وتميزت هذه المدارس في انها اول من طبق نظام المخصصات المالية والخدمية الخاصة بالأساتذة والطلبة على حد سواء( ) .
أوقف نظام الملك لهذه المدارس كل ما يلزمها من فرش وأثاث ومدرسين وعاملين ، كما ووفر الكتب والسكن للطلاب الغرباء فضلا عن المخصصات المالية والغذاء والكساء( ) ، وقد أشار ابن جبير الى ذلك بقوله :" ان نظام الملك قد أوقف لهذه المدارس التعليمية اوقافا عظيمة وعقارات محتسبة كلها تصرف لفقهاء المدرسة ومدرسيها"( ).
مع تأسيس نظام الملك للمدرسة النظامية في بغداد اخذ الناس يشعرون بدور الدولة في التعليم ، الامر الذي دفعهم الى الإسراع بالقيام بالإعمال الخيرية المتعلقة بإنشاء المدارس ، فزاد تسابق الناس نحو هذا العمل الخيري واخذوا ينشئون المدارس ويقفون العقارات والأملاك المختلفة من اجل الانفاق عليها ، فلما تعددت هذه المؤسسات وكثرت الموقوفات عليها بمرور الزمن صار لابد من من مراقبتها لذلك أدخلت ضمن واجبات (الحسبة) التي أخذت تنظر في اعمال المتولين وتقصيراتهم والمدرسين وواجباتهم وغيرها من الأمور الأخرى . ويظهر من خلال ما اوقف لهذه للمدارس بشكل عام ان الواقفين لها قد أحاطوا بكل الشروط المتعلقة بوقف بها ، فهم لم يكتفوا بمجرد توفير السكن للطلبة او بناء حجر لهم وانما اهتموا كذلك بشروطها الصحية ، كتوفير الحمامات وبناء المزامل للوضوء ، كما كان لبعض هذه المدارس وخاصة الكبيرة منها الساعات الزولية ، هذا فضلا عما اعتمده المشرف على بناء المدرسة في جعلها ذات شكل معماري يتناسب مع الوظيفة العلمية الجليلة التي تمارسها( ).
واذا ما حاولنا ان نستعرض اهم المدارس الوقفية في العراق نجد على الشكل التالي :
1.المدرسة النظامية:أنشأ هذه المدرسة الوزير نظام الملك عام 1092م، وكان الغرض من إنشائها تدريس القفه على المذهب الشافعي ، وقد رصدت لها أوقافا كثيرة قدرت بــــ (ستين الف دينار)( ) ، وقد أشار ابن الجوزي الى وقف هذه المدرسة ومستحقيه بقوله :" هذه المدرسة وسقوفها الموقوف عليها ، وفي كتاب شرطها انها وقفت على أصحاب الشافعي اصلا وكذلك الاملاك الموقوفة عليها شرط فيها ان تكون على اصحاب الشافعي أصلا ، وكذلك شرط في المدرس الذي يكون فيها والواعظ الذي يعظ فيها ومتولي الكتب وشرط ان يكون فيها مقرئ يقرأ القران ونحوي يدرس العربية وفرض لكل قسط من الوقف"( ).
وقد وصف المقريزي هذه المدرسة بقوله :"أشهر ما بني في الاسلام حيث انها اول مدرسة قرر بها للفقهاء معاليم"( ). كما أنشئ نظام الملك مدرسة نظامية اخرى للقاضي ابي بكر محمد بن ابي علي الحسن الخاندي المعروف بالسديد بالقرب من الجامع النووي في الموصل ، وقد أوقف عليها الكثير من الأوقاف أسوة بنظامية بغداد( ).
2. مدرسة ابن هبيرة : أسست هذه المدرسة في بغداد عام 1162م من قبل الوزير عون الدين ابي مظفر ابن هبيرة الذي اوقف لها الكثير من الاوقاف ، ولكنها لم تستمر بعملها فقد أغلقت بعد وفاة مؤسسها ، وبيعت الكتب التي أوقفت من اجلها( ).
3.المدرسة الفخرية : قام بتأسيس هذه المدرسة فخر الدولة بن المطلب احد اثرياء بغداد والمعروف بكثرة انفاقه على المؤسسات الخيرية ، وقد اوقف على هذه المدرسة وقفا محصوله السنوي الف وخمسمائة دينار( ).
4.المدرسة المستنصرية :أنشأها الخليفة العباسي المستنصر بالله في بغداد على شط دجلة من الجانب الشرقي ، وجعلها وقفا على المذاهب الأربعة ، وحضر افتتاحها عام 1228م جميع كبير من الناس ضم كبار المسؤولين والعلماء والمدرسين( ) ، وقد وصفها احد المؤرخين بقوله :" وليس في الدنيا مثلها وهي بالعراق كالجامع الاموي بدمشق"( ).
5. مدرسة بنفشا : سميت هذه المدرسة بهذا الاسم نسبة الى مؤسستها بنفشا بنت عبد الله الرومية عتيقة الخليفة المستضيء بالله ، فقد اشترت هذه المرأة دارا وجعلتها مدرسة موقفة على الحنابلة ، وأوقفت عليها قرية بكاملها( ).
6. مدرسة اقبال الشرابي : عرفت هذه المدرسة بالمدرسة الشرابية نسبة الى مؤسسها شرف الدين اقبال الشرابي ، وقد كان موقعها في بغداد وعهد الى شمس الدين ابو الازهر احمد بن الناقد وكيل الخليفة المستنصر بالله مهمة بنائها والنظر في أوقافها( ) ، وقد اشار ابن كثير لأهميتها وللاحتفال الكبير الذي اقيم بمناسبة افتتاحها ، كما أشار الى وقفها والخدمات التي كانت تقدمها( ).
7. المدرسة البشيرية : انشأ هذه المدرسة الخليفة المستعصم بالله عام 1255م ، وجعل لها فقهاء من المذاهب الأربعة ، كما أوقف لها أوقافا كثيرة تتناسب مع أهميتها( ).
8. المدرسة الاتابكية : بنيت هذه المدرسة في الموصل في العصر الاتابكي ، وقد بناها سيف الدين بن عماد بن عماد الدين ( )، وقد وصفها المقدسي عند حديثة عن سيف الدين بقوله :" وبنى في الموصل المدرسة الاتابكية العتيقة وهي من أحسن المدارس وأوسعها وجعلها وقفا على الفقهاء الشافعية والحنفية نصفين" ، كما أوقف لها الكثير من الأوقاف( ).
كما كانت هناك مدارس وقفية اخرى في الموصل من اهمها المدرسة الزينبية والمدرسة الكمالية اللتين بناهما زين الدين ابو الحسن بن بكتكتين ، والمدرسة النووية( ) والمدرسة الكمالية القضوية ومدرسة ابن الشيرجي( ) والمدرسة المجاهدية( ) .
وكان لمدينة واسط حصتها من المدارس الوقفية ، فقد ورد اقدم خبر عن وجودها في القرن السادس الهجري ، حيث أنشئت اول مدرسة أشارت المصادر التاريخية اليها هي مدرسة الفارقي التي أنشاها القاضي ابو بكر الحسن بن ابراهيم بن علي بن برهون الفاروقي الفقيه الشافعي ، وقد تولى التدريس فيها ، ثم أنشئت بعد هذه المدرسة مدرسة ابن القارئ وقد أنشأها ابو الفضل الواسطي المعروف بابن القارئ ، وكانت من مدارس الشافعية ايضا ، كما كانت هناك مدارس اخرى مثل مدرسة ابن ورام والمدرسة الشرابية ، فضلا عن مدارس أخرى خصصت للمذهب الحنفي( ).
وبعد دخول العراق تحت السيطرة العثمانية كانت المدارس الوقفية والتي عرفت انذاك بـــ (المدارس الدينية) امتداد للمدارس العربية التي سبق ذكرها ، وقد تنافس السلاطين والولاة وأبناء الاسر الثرية في إنشاء المدارس بدافع الإخلاص للدين( ) ، فكانوا يوقفون لها ما يلزمها ويسهلون للناس تلقي العلوم التقليدية (علوم اللغة والكلام والفقه والتفسير والصرف والنحو واصول علم الحديث ، والفلك والبلاغة والفلسفة) وجعلوا في كل مدرسة خزانة للكتب ، كما كانوا يقدمون التسهيلات للطلاب( ) ، ومن اشهر المدارس التي أسست في بغداد المدرسة السليمانية والمدرسة العلية ومدرسة جامع علي افندي والمدرسة الداودية ومدرسة جامع الوزير ومدرسة جامع الاصفية ومدرسة الطبقجلية وغيرها ، وفي البصرة كانت هناك المدرسة الرحمانية والمدرسة الحللية( )،اما أشهر مدارس الموصل فكانت المدرسة اليونسية ومدرسة محضر باشي ومدرسة محمد خزام والمدرسة العمرية ودار القران الجرجيسية ومدرسة جامع الباشا ومدرسة الاحمدية وغيرها( ) ، ويمكن القول ان الدولة العثمانية لم تتعرض في أيامها الى الموقفات ولا الأوقاف ذاتها لذلك كانت تدر الخيرات على المدارس والمساجد والتكايا ، لكن في أواخر العهد العثماني ومع اضطراب أوضاع الدولة اعتل امر الأوقاف والتدريس في تلك المدارس ، ولما كانت ادارة الأوقاف قد أصبحت مسؤولة عن إدارتها وعن تنفيذ شروط الواقفين ، فقد ترتب عليها الاهتمام بأمر التدريس والمدرسين ، لذلك أصدرت (نظام توجيه الجهات)عام 1912 وقد تضمن مواد عدة ، وسنستعرض فيما يأتي بعض المواد التي توضح الطريقة الواجب إتباعها لاختيار المدرسين للتدريس في المدارس التي تشرف عليها ادارة الأوقاف كما يأتي:
1.يطلق اسم الجهات على خدمات المؤسسات الوقفية كالتدريس والخطابة والامامة والقيمية ومحافظة الكتب والتولية.
2.الجهات قسمان : الاول الجهات التي يتوقف القيام بوظائفها على تحصيل العلم وتسمى الجهات العلمية ، مثل التدريس والخطابة والامامة ومحافظة الكتب والجباية ، والثاني الجهات التي تتعلق بالعمل والصنعة ولا يحتاج فيه الى تحصيل علم وتسمى الجهات البدنية مثل القيمية والفراشية وخدمة الضرائح.
3.ضرورة اجراء امتحان الجهات العلمية في استانبول من قبل شورى الاوقاف وباشتراك عضوين يعينهما مقام المشيخة الإسلامية ، وفي الخارج من قبل هيئة مؤلفة من خمسة أعضاء هم (حاكم الشرع ، مفتي البلد ، ثلاثة من العلماء) ويرأسها حاكم الشرع وذلك بمحضر من مأمور الوقف . وينتخب العلماء الذين يؤلفون الهيئة الامتحانية في الخارج حاكم الشرع والمفتي ومدير الوقف او مأموره، ويعين لامتحان التدريس مقدار مناسب لا يقل عن عشرة اسطر من كتاب (المطول) ويطلب من الممتحن ان يضع علائم الاعراب عليها ، وفقا لقواعد اللغة العربية ، ويحرر مضامينها ، وكذلك يستنبط من هذه العبارات سؤالين من كل علم من علوم الصرف والنحو والمنطق والبيان والمعاني وأصول الفقه وعلم الكلام وتلقى عليه( ).
ثانيا :المدارس الوقفية ..التصميم .. الوقف ..والنظام الداخلي
أ.التصميم :
تميزت المدارس الوقفية بشكل عام بتصميمها المعماري الخاص الذي يقوم على وجود ايوان او اكثر ، وأحيانا يكون شكل البناء مثمن الشكل تعلوه قبة عالية ، ويحتوي على محراب للصلاة ، وتحيط بالبناء اروقة فضلا عن ابنية لمبيت الطلبة والأساتذة واجنحة للخدمات( ) ، ومن اجل توضيح هذا الامر أكثر سنسلط الضوء على المدرسة المستنصرية باعتبارها نموذجا للمدارس الوقفية ولاسيما في العراق .
امتازت المدرسة المستنصرية بأنها نموذج رائع للمدرسة الإسلامية ، فقد استغرق بنائها ست سنوات وتميزت عن غيرها بعمارتها وزخرفتها وعلومها وأوقافها ، وقد وصفها ابن الجوزي بقوله :" ليس في المدينة مثل هذه المدرسة ، ولا بني مثلها في سالف الاعوام فهي في العراق كجامع دمشق وقبة الصخرة في الشام"( ) ، اما ابن العمري فوصفها بقوله :" المستنصرية التي ليس في الدنيا مثلها ، فعمرت على أعظم وقف في صورتها وآلاتها واتساعها وزخرفتها وكثرة فقهائها ووقفها"( ) .
تميز تصميم المدرسة المستنصرية بالرسوم الزخرفية على الجدران والاورقة ، وخاصة في المسجد الموجود في داخلها حيث استغل المعماريون العباسيون الموقع الجيد في إنشاء المسجد ولاسيما السقف الذي بني على شكل قبة ، وتألفت المدرسة من طابقين ، في كل طابق مجموعة كبيرة من الغرف والقاعات والاواواين ، وكان ارتفاع الاواوين الاربعة بارتفاع الطابقين معا ، وقد خصص لكل مذهب من المذاهب الأربعة ايوانا( ) ، وقد استوعب بناء المدرسة كل مستلزماتها كالمسجد والحمامات والمخازن وحجرات الدرس والنوم والطعام وخزانة الكتب والبيمارستان والصيدلية ومخازن الطعام ، كما ضمت ابنية ملحقة منها ما خصص لدار الحديث ومنها ما خصص لدار القران( ) ، كما كان فيها ساعة مائية عجيبة الصنع ، ومزولة تحدد اوقات الصلاة تقع عند المدخل الامامي للمدرسة( ).
ب.وقفيات المدارس
لا شك ان وجود أوقاف سخية الإيرادات وادارة جيدة وسلطة سياسية مهتمة تمثل العامل الرئيس في ديمومة عمل المدارس واستمرارها في تقديم خدماتها ، فقد أشير الى ان ثمن الأوقاف التي اوقفها الوزير نظام الملك على مدارسه التسع كان 600 الف دينار ، أي نحو 75 الف دينار لكل مدرسة ، لذلك استمرت معظم هذه المدارس اكثر من ثلاثة قرون بعد وفاة نظام الملك الى اواخر القرن الثامن عشر لاسيما نظام بغداد الى العصر الجلائري المغولي في العراق( ).
ويمكن ان تعد وقفية المدرسة المستنصرية في بغداد نموذجا على وقفيات المدارس الاسلامية ، فهي كما يقول القزويني :"لم يعرف موضع اكثر منها اوقافا ولا ارفه منها سكنا"( ) ، وقال عنها ابن كثير :" ان ثمن تبن الوقف يكفي المدرسة وأهلها"( ). ويمكن ان نتخيل حجم اوقاف المدرسة من خلال ما يذكره الذهبي حيث يقول :"ثم رأيت نسخة وقفها في خمسة كراريس،والوقف عليها عدة رباع (ابنية) وحوانيت ببغداد وعدة قرى كبار وصغار ما قيمته تسعمائة الف ينار ، فيما يخال الي ولا اعلم وقفا في الدنيا يقارب وقفها أصلا سوى أوقاف جامع دمشق وقد يكون وقفها اوسع" ، ويضيف الذهبي في معرض حديثة عن أوقاف المدرسة :"فالمرتزقة من اوقاف هذه المدرسة نحوا من خمسمائة نفر المدرسون ومن دونهم" ، ويذكر أيضا :" ان تبن الوقف يكفي الجماعة ويبقي فعل هذه القرى مع كرى الرباع فضلة فكذا فليكن البر والا فلا ، وحدثني الثقة ان ارتفاع وقفها بلغ في بعض السنين نيفا وسبعين الف مثقال ذهب"( ).
كل هذه الأوقاف كانت من اجل يتفرغ القائمون على المدارس والدارسين بها للدراسة والتحصيل العلمي ، وكي لا تشغلهم أعباء الحياة عن مواصلة البحث ولا يلهيهم التفكير في لقمة العيش عن متابعة التحصيل ، فقد خصص لنظارها وشيوخها ومدرسيها ومعيديها وأطبائها وطلابها وكل العاملين فيها بما يكفيهم من الطعام والشراب والنفقات ، ورتب لهم البيوت والمساكن ، وكانت الأطعمة توزع مطبوخة يوميا على الطلاب المثبتين في المدرسة ، بالإضافة الى ما كان يجهز لهم من الحصر والسراج والزيت والورق والحبر والأقلام ، وكان يقدم لهم في الصيف الماء البارد ، وفي الشتاء الماء الساخن ، وكان رجال الادارة والتدريس يوزع عليهم كميات كبيرة من الخبز واللحم والخضروات التي تكفيهم وتكفي ضيوفهم ، بالإضافة الى ما كانوا ينالونه من هبات وعطايا ، كما كان القائمون على وقف المستنصرية يتقاضون كل شهر مرتبات نقدية من الدنانير الذهبية تختلف باختلاف منازلهم واقدارهم( ).
ج .النظام الداخلي للمدارس الوقفية:
كان للمدارس الوقفية نظامها الداخلي ، سواء ما يتعلق منها بالمناهج التعليمية ، او بنوعية العلوم المدرسية ، او بالمدرسين والملاك الاداري والخدمي للمدرسة ، والمتعلقة بضوابط العمل والمتمثلة بأوقات الدروس وأوقات انتهاء العمل والامور الخدمية الاخرى المتعلقة بالمدرسة.
فيما يتعلق بالمناهج التعليمية ، تذكر المصادر التاريخية ان المدارس كانت لديها مناهجها الخاصة بها ، سواء أكانت تدرس مذهبا واحد مثل المدارس النظامية التي كانت تدرس المذهب الشافعي( )، او التي تدرس مذهبين مثل المدارس التي أنشأها السلطان عز الدين الاتابكي في الموصل لتدريس المذهبين الشافعي والحنفي( ) ، او التي تدرس المذاهب الاربعة كما هو الحال في المدرسة المستنصرية في بغداد( ).
كانت المناهج الدراسية تعتمد بشكل رئيس على كتب المذاهب القيمة والشروح الملحقة بها ، وقد كان لوجود مدرسين من مذاهب مختلفة في المدرسة الواحد اثر كبير في تطوير الفقه المقارن الذي ظهرت تباشيره منذ القرن الثاني للهجرة من خلال بحوث الفقيه محمد بن الحسن والفقيه اسد بن الفرات واسديته في الموازنة بين الاحناف والمالكية ، ثم الامام الشافعي وبحوثه في هذا المجال في كتابه الشهير الام( ).
لم تكن المدارس الوقفية تقتصر في تدريسها على العلوم الشريعة واللغة (الحديث والتفسير والنحو والبلاغة وغيرها) ، انما كانت تدرس علوم أخرى ، فالمدرسة المستنصرية كانت تدرس الطب والرياضيات ، والمدرسة الكمالية في الموصل كانت تدرس الرياضيات والهندسة وكان شيخها كمال الدين بن يونس يدرس يجيد أربعة وعشرين علما كان منه الطب والرياضيات والفلسفة والموسيقى واللغة والتفسير والحديث والاشعار والتواريخ( ). وتجدر الإشارة انه في المدرسة المستنصرية اشترط على الأطباء الذين يدرسون الطلبة القيام بفحص كل من يمرض من ملاك المدرسة ووصف الدواء له( ).
اما فيما يتعلق بملاك المدارس الوقفية فقد كانت تضم المدرسين والمعيدين والطلاب وقارئ التفسير والمنشد ، وكاتب الغيبة ، وخازن الكتب وشيخ الرواية وكاتب غيبة السامعين ، فضلا عن الملاك الاداري والخدمي المكون من الناظر والمشرف على الناظر والكاتب والخازن( ).ومن اجل تسليط الضوء اكثر على ملاك المدارس سنستعرض الموضوع بالشكل التالي :
أ.المدرسون : كان اختيار المدرسين للعمل في المدارس الوقفية يتم وفق ضوابط معينة يمكن اجمالها فيما يلي :
1.ان لا ينتصب احدا لهذا المنصب العلمي الخطير الا بعد ان يستكمل عدته ويشهد له بذلك أساتذته وكبار علماء عصره او بلدته على الاقل ،وان يتفرغ للتعليم ، ولا يعمل بعمل اخر الى جانب عمله .
2. ان يكون مهذبا متدينا متحليا بالاخلاق النبيلة كاظما لغيظه ، حليما وقورا متئدا رفيقا بطلابه ، عطوفا على الفقراء ، متقيدا بشروط واقف المدرسة منفذا لرغباته ، وان يحافظ على ممتلكات المدرسة ويوصي الطلبة بذلك.
3.ان يستعلم عن اسماء طلبته وحاضري درسه وأنسابهم ومواطنهم واحوالهم لما في ذلك من تقوية الصلات بينه وبينهم ، والتعرف على ماضيهم ، ولا يمتنع عن تعليم احد من الطلاب في حالة نسيانه للمادة العلمية.
4.ان يطرح على الطلبة اسئلة كثيرة يفهم من خلالها مقدار ما تم استيعابه من دروسه ، واذا ما وجد انهم فهموا أثنى عليهم وان وجد عكس ذلك وجب عليه اعادة الدروس التي لم يفهموها.ويكون اختباره لهم من خلال تكليفهم بقراءة الكتب التي تلائم مستواهم الفكري والعلمي
5.ان يحافظ على مجالسه من الغوغاء واللغط وسوء الادب والنقاشات العقيمة( ) ، وان لا يكثر من البروز والخروج من الدرس من غير حاجة لان كثرة ذلك يسقطه من العيون( ) ،وان يراعي مصلحة طلابه في تحديد مواعيد الدروس ، وان لا يدعي معرفته بعلم وهو جاهل فيه ، فأن تم سؤاله في ما لايعلم ما عليه سوى القول (لا اعلم).
6.ان يهتم مع طلابه بالدروس المهمة ، فيقدم ما تكثر حاجتهم اليه على غيره ، وان يكون مطلق الحرية في توجيه الطلاب بالشكل الذي يريده ما لم يخالف الشريعة الإسلامية( ).
ويذكر ان قرار تعيين المدرس في مدارس بغداد كان يتم في بعض الأحيان من قبل الخليفة ، وفي اغلب الاحيان يتم من قبل واقف المدرسة( ) ، كما كان يسمح للمدرس ان يدرس في اكثر من مدرسة بشرط ان يوفق بين دروسه ، ويحق له الانتقال الى المدارس الاخرى ، ويمكن القول ان الخدمات السخية التي كانت تقدمها المدارس الوقفية للمدرس هي التي جعلت العلاقة طيبة وودودة بين المدرس والطلبة والمدرسة( ).
ب. المعيد : تأتي مرتبته بعد المدرس ، وتتلخص مهامه في مراجعة محفوظات الطلبة وتنبيه المدارس والناظر على الطلبة المتفوقين ، وإعادة شرح المواد التي لم يفهمها بعض الطلبة ، وقد كان يشترط في المعيد ان يكون ذو اخلاق عالية وصاحب فضل، وحريص على مصلحة الطلبة.
ج.الناظر :يعد الناظر اهم الموظفين الإداريين في المدرسة ، لانه يشرف على ادارة المدرسة وسير عملها ، وعلى الإيرادات والنفقات .
د.الطلبة : كان الطلبة يمرون في المدارس الوقفية بمراحل ابتدائية ومتقدمة ، فقد ورد في احد الوقفيات ان الطلبة كانوا على ثلاث مراحل المرحلة الاولى تعرف بالمبتدئ والثانية المتوسط والمرحلة الأخير المنتهي ، وكان لكل منهم مخصصاته العينية والنقدية ، وتجدر الإشارة انه سجل في إحدى المدارس اعتراض الطلبة على تعيين أستاذ في مدرسة اذ طعنوا في علمه وقد لبي طلبهم وتم إلغاء تعيينه ، وهذا يدل على سماحة الأنظمة التي كانت سائدة آنذاك ، وانسجامها مع الشريعة الإسلامية التي تؤكد على المشورة.
هـــ . كاتب غيبة السامعين : تتلخص مهامه في ضبط أسماء الحاضرين والسامعين.
و.المنشد : هو من يقوم بإنشاد القصائد الخاصة بمدح الرسول (صلى الله عليه وسلم)
ز.موظفو الخدمات : يقصد بهم الفراشين والبواب والحمامي والمزين والقيم والطباخ ومساعده وخازن الالات ، وخزانة الديوان ، وغلمان الديوان والمؤذنون والنفاط ، ولا يخلو هؤلاء من طلاب للعلم وعلماء احيانا على الرغم من قيامهم بهذه الواجبات( ).
ثالثا :وقف المكتبات :
لم يكن بإمكان المدارس الوقفية ان تكمل رسالتها من دون الاعتماد على المكتبات الوقفية فهي من الأركان الأساسية في نشر العلم والثقافة ، وقد قام محبوا العلم والمحسنين والمقتدرين بإنشاء المكتبات الوقفية والحاقها بالمساجد وبالمدارس الوقفية ،او وضعها بشكل مستقل إدراكا منهم لأهمية الكتاب بالنسبة للطالب ومحبي التعلم من جهة ، وعدم تمكن الكثيرين من شراء الكتب بسبب ارتفاع اثماناها من جهة اخرى.وقد عرفت هذه المكتبات بأسماء عديدة مثل خزانة الكتب ، وبيت الحكمة ، ودار العلم ودار الكتب ، وكلها تماثل اليوم المكتبات العامة والمكتبات المركزية.
انتشرت خزائن الكتب الوقفية في العراق منذ القرن الرابع الهجري ، وقد كان يخصص لها المال الكافي لتسيير اعمالها والمتمثلة بصيانة الكتب وإعمال الترميم ورواتب العاملين ، اما أبنيتها فكانت تشتمل على حجرات متعددة تربط بينها اروقة فسيحة ، وفيها أروقة خاصة للمطالعة وغرف للنساخ الذين ينسخون الكتب ، وغرف لمبيت الغرباء منهم ، ونتيجة لكثرة هذه المكتبات والخزانات سنسلط الضوء على أشهرها:
1.دار العلم في الموصل : تعد هذه الدار اول دار وقفية في الإسلام ، وقد أنشأها جعفر بن حمدان الموصلي ، الذي كان من كبار علماء الموصل وأدبائها وله دار في الموصل تحتوي على خزانة كتب في جميع العلوم ، وقد أوقفها على طلبة العلم وسمح للجميع بدخولها ، وقد كانت تقدم للطلبة المحتاجين الورق والحبر والنقود ، وتفتح أبوابها كل أيام الأسبوع( ).
2.خزانة المدرسة النظامية ببغداد: هي من أشهر مدارس بغداد وأجلها شأناً وأقدمها عهداً، أنشأها الوزير السلجوقي نظام الملك سنة 457هـ/ 1064م، شملت خزائن الكتب أنفس الأسفار، وأجل المصادر، وأهديت إليها الكتب من كل الأرجاء، فقد أوقف المؤرخ المشهور ابن النجار البغدادي، صاحب كتاب "ذيل تاريخ بغداد" مجمل كتبه بها، وقد كانت كتبه عبارة عن خزائن كتب، وفي عام 1193م أمر الخليفة الناصر لدين الله بتجديد خزانة الكتب، ونقل إليها ألوفاً من الكتب( ).
3.دار علم الشريف الرضي : أنشأها الشريف الرضي في بغداد ، وهو قطب من أقطاب الثقافة في القرن الرابع الهجري ، ولشعره مكانة عظيمة في نفوس الأدباء ونقاد الشعر ومتذوقي الأدب،وقد سماها (دار العلم) وضمت مكتبة قيمة ، وقد تردد طلبة العلم عليها للمطالعة وطلب العلم ، وكان الشريف ينفق على تلامذته من ماله الخاص ويلقي فيها محاضراته( ).
4.دار علم ابا نصر سابور : أنشئت من قبل الوزير البويهي ابا نصر سابور بن اردشير عام 471هـــــــ وكانت في منطقة بين السورين في بغداد، وقد وضعت فيها كتب كثيرة ، ومولت من خلال أوقاف كثيرة ، وقد وصفها ابن الجوزي في معرض حديثه عن سابور وقال :" وابتاع دار بين السورين في سنة إحدى وثمانين وثلاثمائة ، وحصل اليها كتب العلم من كل فن وسماها دار العلم ، وكان فيها اكثر من عشرة الاف مجلد ، ووقف عليها الوقف وبقيت سبعين سنة"( ). لكنها تعرضت للحرق عام 450هــــ ونهب قسم كبير من كتبها ( ).
5.دار علم البصرة :تم أنشأها من قبل ابو علي بن سوار الكاتب المعروف بحبه للعلم وأهله ، وقد ضمت بين جنبيها كتب قيمة ، وقد ورد وصفها بكلمات ابن الاثير حيث قال :"لم ير في الإسلام مثلها" ( )، وقد كانت توفر احتياجات روادها من الحبر والورق وغيرها( ) .
6.دار علم غرس النعمة : كان حرق دار علم ابو نصر سابور والخوف على ضياع العلم دافعا لابو الحسن غرس النعمة هلال الصلابي لإنشاء هذه الدار في شارع ابن ابي عوف في بغداد ، وقد اشار ابن الجوزي الى انها كانت تضم نحو الف كتاب ، لكن كتبها بيعت وحلت أوقافها بعد انشاء دار الكتب في المدرسة النظامية( ).
رابعا :الآثار العلمية والفكرية للمدارس الوقفية في العراق
مما لاشك فيه ان الحضارات لا يمكن ان تستقيم وتتطور من دون الاهتمام بالتعليم ، وبما ان الإسلام وقف من العلم موقفا مشرفا اذ لم يسبقه دين من الاديان ان وقف كموقفه الامر الذي جعله الدين الوحيد الذي يقترن اسمه باسم الحضارة (الحضارة الإسلامية) ، فقد سعى المسلمين في العراق نحو الاهتمام بوقف المدارس على اختلاف مراحلها التعليمية باعتبارها مصادر إشعاع لرقي الفكر والنهوض بالمعرفة الإنسانية، ولم يبخلوا وفي أحلك الظروف على تعليم أبنائهم ولاسيما ابناء المدن سواء من خلال الكتاتيب او المدارس .
تؤكد شواهد التاريخ وكما مر بنا سابقا ان بداية تأسيس المدارس كان في العراق حيث كان لنظام الملك الدور العظيم في دفع حركة التعليم خطوات كبيرة الى الامام ، فقد أثرت المدارس النظامية التي أنشأها تأثيرا كبيرا في ازدهار الحركة العلمية ، اذ فتحت أبوابها لأبناء الامة الإسلامية ، وضمت إعدادا كبيرة من الطلبة ، ومن معظم البلدان الإسلامية ، وقد وصف الاصفهاني حرص نظام الملك على تأسيس المدارس بقوله :" ومتى وجد في بلدة من تميز وتبحر في العلم بنى له مدرسة ، ووقف عليها وقف وجعل فيها دار كتب" ( ) ، وقد كان لتأسيس هذه المدارس بالغ الاثر على ابناء المجتمع العراقي الذين انفعوا نحو القيام بفتح المدارس ووقف الأوقاف عليها ، وكانت النتيجة ان ازدهرت الحياة العامة بكثرة المدارس حتى ان الرحالة ابن جبير يذكر أنه شاهد في بغداد نحو ثلاثين مدرسة، كل واحدة منها في قصر وبناية كبيرة، أشهرها وأكبرها المدرسة النظامية. ولهذه المدارس أوقاف وعقارات للإنفاق عليها وعلى العلماء والدارسين فيها، وكان وقف نظامية بغداد خمسة عشر ألف دينار شهرياً، وتخرج منها أكابر العلماء( ).
ومن ابرز المعالم العلمية والثقافية الإسلامية في العراق بعد النظاميات المدرسة المستنصرية ، التي تعد أعظم مدرسة علمية جامعة أقيمت في بغداد في أواخر الدولة العباسية، وأول جامعة إسلامية نظمت على غرار المدرسة النظامية ، حيث جمعت فيها الدراسات الفقهية إلى جانب المذاهب الإسلامية الأربعة في بناية واحدة وهذا يدل على سعة الافق والتسامح ازاء اختلافات المذاهب . كما درست فيها علوم القرآن والدين واللغة والطب والرياضيات ؛ وجهزت بالأقسام الداخلية والمطابخ والحمامات، وألحقت بها دار كتب ضخمة ومستشفى للتطبيب والتدريس( ) .
من خلال مطالعة تاريخ المدارس الوقفية من العراق يتضح فضل الأوقاف في ازدهار الحياة العلمية والثقافية وهذا ما يؤكده الشاعر معروف الرصافي بقوله :
للمسلمين على نــــــــــزورة وفرهــــــــــم كنز يفيض عنــــــــــــى من الأوقاف
كنز لو استشفوا به من دائـــــــــــــه لتوجروا منــــــــــه الـــــــــــــــــــــــــــدواء الشافي
ولو ابتغوا للنشء فيه ثقافـــــــــــــــــة لتثقفوا منـــــــــــــــــــــــــــــــه بغــــــــــــير ثقاف
ورغم سقوط الخلافة العباسية في بغداد عام 1258م على يد المغول وقيامهم بإتلاف الكتب القيمة وقتل العديد من العلماء وما الى ذلك ، ورغم والصورة المظلمة التي يرسمها العديد من المؤرخين حول الانهيار العلمي والفكري آنذاك، الا اننا نجد في المقابل ان المدارس الوقفية استمرت في اداء رسالتها وهذا ما يؤكده المؤرخ عباس العزاوي حيث يقول :"بقيت المدارس مودعة الى علماء العراق ، ولم يستول على أوقافها غيرهم ، ولم يؤثر في سيرها ضياع الكتب وبعض المكتبات وإحراقها ونقلها الى مراغة فقد بقيت فيها بقية تسد الحاجة ، فقد كانت تلك المدارس تقوم بواجبها دون حاجة الى مناصرة الحكومة ، اذ تعتمد تلك المدارس على اوقاف المسلمين"( ).
ومما لاشك فيه ان هذه المدارس ما كان لها ان تقوم بدورها وأداء رسالتها في العراق او في أي بلد إسلامي لولا الأوقاف ، ودليل ذلك ان عددا من المدارس التي لم تكن لها أوقاف كافية او قلة واردات أوقافها لم تستطع ان تستمر في مزاولة نشاطها ، فالمدرسة المستنصرية وبعد دخول العراق تحت السيطرة العثمانية اختل امرها ، وغابت عن افقها شمس العلم وتفرق عنها جموع الطلبة وخلت ربوعها من العلم والعلماء والعاملين ، وانتهى بها الأمر الى ان تكون حصنا ، ثم ثكنة للجيش، ثم خاناً ، ثم مخزناً لملابس الجند( ) ، وقد اسف لذلك كل ذي دين وبكتها الاقلام بدمع معين ، وقد رثاها الشاعر جميل صدقي الزهاوي بقوله :
وقفت على المستنصريـــــــــــــــــــــــــة باكيــــــا ربوعا بها للعلــــــــــم أمست خوالـــــــــــــيـــــا
وقفت بها ابكي قديـــــــــــــــــم حياتــــــــــــــــــــــــها وابكي بها الحسنى وابكي المعاليا
وقفت بها ابكي لشعــــــــــــــــــــــــــــــــري بناتها وانعى سجاياهــــــــــا وانعـــــــى المساعيــــا
بكيت بها عهدا مضى في عراصها كريما فليت العهــــــــــــــد لم يك ماضيا
لم يقتصر دور الوقف في عملية التعليم على كونه موردا ماليا يرفد المدارس بما تحتاجه من مستلزمات ، بل تعدى ذلك وامتد الى التوجيه التربوي ، اذ كان يتدخل في توجيه العلمية التربوية ، وفي تعيين العلوم والفنون التي يجب ان تدرس في المدارس ، وفي المقاييس والمؤهلات العملية التي يجب ان تتوفر في المدرس الذي يعمل في المدارس الوقفية ، وعليه يمكن القول ان وثيقة الوقف كانت بمثابة اللائحة الأساسية للمؤسسة التعليمية( ). ويمكن ان نحدد أهم الاثار العلمية والفكرية للمدارس الوقفية بما يأتي :
1. إن طبيعة الخدمات المتكاملة التي قدمتها المدارس الوقفية لمنتسبيها كالغذاء ، والكساء ، والمواد الكتابية وغيرها ، ساهمت في تأمين الظروف المناسبة للفقهاء والعلماء والأدباء في محراب التعليم ، والتأليف ، والنشر ، والتحقيق العلمي والفقهي ، فعلى سبيل المثال كانت المدرسة المستنصرية تقدم لمنتسبيها الذين كانوا اكثر من 329 منتسبا ما بين طالب ، ومعيد ، وملاك اداري وخدمي خدمات كبيرة تشمل نواحي مختلفة.
2. ساهمت المدارس الوقفية في الحفاظ على العقيدة الإسلامية السليمة من الانحراف والتغيير ،لانها عملت في ظل ظروف انتشرت فيها انحرافات مذهبية وعقائدية جارفة .
3.كان بناء المدارس الوقفية يمثل عملية بناء ثقافي تربوي واسعة النطاق قام بها الأمراء والسلاطين ، والعلماء والشعب لمواجهة المخاطر المتمثلة بالغزو الصليبي .
4. لم يقف اثر المدارس الوقفية في التعليم عند العلوم الشرعية فقط ، وانما شمل كل موضوعات المعرفة البشرية ، تستوي في ذلك العلوم الشرعية والعلوم البحتة والتطبيقية والاجتماعية ، لاسيما الطب والصيدلة والفلك ، كما أنها تركت للطالب حرية التنقل من مركز تعليمي إلى آخر ، ومن مدينة إلى أخرى ؛ لكي يتقن علماً جديداً لا يتوافر له في مجتمعه بعدما أتقن العلوم التي تقدمها له مدرسته .
5.كان نظام السكن الداخلي للطلبة في المدارس الوقفية من مفاخر التعليم الاسلامي ، إذ ساهم هذا النظام في التفرع للعلم وتوفير الجو المناسب للطلبة والمدرسين. كما أنها جعلت التعليم حقاً للجميع، ولاسيما الفقراء والغرباء.
6. لا شك أن كثرة الأوقاف على المدارس ولاسيما في عصور الازدهار المادي للحضارة الإسلامية أسهم في تحقيق مجانية التعليم ، ولم يكن ممكناً تفرغ الأساتذة والمعلمين والعلماء للتعليم لو لم تؤمن معيشتهم على وجه يكفيهم( ).
7. أعطت الأوقاف القوة للعلماء ولطلبة العلم باستقلالهم ، فقد أغنتهم عن عطايا الحكام والسلاطين ، وجنبتهم الاتهام في دينهم وعلمهم ، فلم تأسرهم هبات أهل الحكم ، فكانوا أعزة بدينهم وعلمهم ، وولاؤهم للحق وأهله ، لا تأخذهم في الله لومة لائم .
8.من خلال تشيد المدارس الوقفية تطور الفن المعماري على نحو كبير ، فقد كانت عمارة هذه المدارس تمثل فرصة للمهندسين والبنائيين لإظهار إبداعاتهم التصميمية ، كما انها خلقت نوعا من التنافس بينهم في هذا المجال ، وبالنتيجة ظهرت طرز معمارية فريدة كانت محط اعجاب وتقدير كل من زارها ، فعلى سبيل المثال يقول ابن كثير عند ذكره لسنة إحدى وثلاثين وستمائة: " فيها كمل بناء المدرســـــــــــــــــة المستنصرية ببغداد، ولم يُبنَ مدرسة قبلها مثلها"( ).
9.لعبت المدارس الوقفية في العراق دورا كبيرا في الحفاظ على اللغة العربية ، لانها كانت تهتم بتدريس علوم العربية من نحو ، وصرف ، ومنطق ، وفلسفة ، وبديع ، وبيان علم العروض وغيرها ، ووجد الدارسون في هذه المدارس انها المكان الأمثل للفنون الشعرية التي كان يمتلك عدتها الكثير منهم ، كما ساهمت في الحفاظ على التراث العربي الاسلامي ، واستطاعت ان تلبي حاجات المجتمع العراقي حتى القرن التاسع عشر ، وأدت بذلك دورها في إعداد الفرد للحياة طبقا للمثل الدينية والأخلاقية التي يدعو اليها الاسلام( ) .
10. حرصت المدارس الوقفية ومن خلال اهتمامها بتدريس درس (حسن الخط) على تطوير هذا الفن الرائع ، وكانت النتيجة بروز الكثير من الخطاطين الذين تفننوا فيه ، فعلى سبيل المثال كان الخط ايام العثمانيين من الفنون الجميلة التي نالت عناية السلاطين والامراء والولاة ، وهذا الامر شجع الكثيرين على دراسة هذا الفن وتطوير مهاراتهم فيه ، وبرز الكثير من المشاهير في هذا المجال نذكر منهم الشيخ محمد امين الانسي ، وسفيان ووهبي ، والسيد محمد بديع بك البغدادي ،والشيخ قاسم البغدادي ، والشيخ عبد المحسن السهروردي( ).
11. كانت المدارس الوقفية من المصادر الرئيسة في تزويد المجتمع بما يحتاجه من العلماء فقد تخرج منها خيرة العلماء وفي فروع علمية مختلفة ، كما تخرج منها الادباء والموظفين والتجار ومختلف المهن الاخرى ، وذلك بسبب خلو البلاد من معاهد العلوم المختلفة.
12.كان للمدارس الوقفية بالغ الاثر في امداد أجهزة الدولة بالعاملين في الجهاز الاداري ، لاننا لا نستطيع ان نتصور ان الجهاز الاداري الحاكم بعد اربعة قرون من ظهور الاسلام قد ظل على بساطته ، فالنمو سنة من السنن الكونية نجدها في نظم الحكومة ايضا ، كما نجدها في الكائنات الحية ، فالاعمال لابد وان تكون قد زادت وتعددت ، والوظائف المختلفة لابد ان تكون قد تشعبت وكثرت ، وكانت الحاجة ان يؤخذ العالمون في عدد غير قليل من الاعمال الحكومية من بين خريجي هذه المدارس( ) .
12.مثلت المدارس الوقفية نموذجا في توريث معاني العطاء والانفاق والتكامل بين الناس ، فقد تسابق الناس في المجتمع العراقي في بناء المدارس اذ شارك فيها السلاطين والملوك والامراء والوزراء والولاة وموظفي الدولة واثرياء المعلمين واغنياء التجار وسيدات الاسر الحاكمة ، فكلهم وجد في ذلك وسيلة في التقرب الى الله وكسب الثواب ، ومنهم من راى في ذلك طريقة للشهرة ومنفعة للناس واشباعا لحاجات التقدير الاجتماعي وإرضاء الذات ، وخير مثال على ذلك تواجد الاعداد الغفيرة من كبار رجال الدولة وعلمائها الذين كانوا يشاركون في حفل افتتاح المدارس ، مما يدعو الى ازدياد شهرة منشئها( ).
13.مثلت المكتبات الوقفية الساعد الايمن للمدارس الوقفية في عملية البناء العلمي والحضاري ، اذ سهلت طرق التعاطي مع العلوم المختلفة نظراً لما توفره من كتب ومحاضرات ومناظرات كانت تعقد فيها، وكان العلماء يسدون النصائح لطلابهم ولرواد المكتبات على نحو عام، فانتشر التعليم في بغداد وبقية المناطق العراقية.
ــــــــ توصيات :
في ختام هذا البحث نرى انه من الواجب علينا ادراج مجموعة من التوصيات التي من شأنها الارتقاء بالوقف الاسلامي على نحو عام والله الموفق.
1. لابد من العمل على استعادة الوقف لدوره الحقيقي في عالمنا المعاصر وذلك من خلال وقفة جادة من المسؤولين بمختلف مسؤولياتهم ورجال الاعلام والفكر تسهم في تهيئة الراي العام للتفاعل الايجابي مع الوقف الإسلامي .
2. ضرورة إصدار تشريعات جديدة من شأنها العمل على حماية الأوقاف ، وتشجيع الواقفين ، وتشخيص اهم المجالات التي يجب ان يوجه اليها الواقفون أوقافهم وذلك من منطلق الأهم ثم المهم .
3. لابد من توجيه الوقف نحو الاهتمام بشريحة الشباب ، فكما رأينا خلال الفترة الماضية وما زلنا نرى تفجر الشباب غضبا على الاوضاع السائدة وفي مختلف البلاد العربية والاسلامية ، وبما ان الدولة لا تستطيع ان تلبي كل الاحتياجات فمن الواجب ان يأخذ الوقف على عاتقة مهمة المساهمة في تلبية هذه المطالب التي في مقدمتها توفير فرص العمل والتعليم ورعاية الايتام والفقراء والارامل .
4. العمل على تطوير مجالات الوقف الإسلامي ، وذلك من خلال الدخول في مجالات جديدة لها تاثير كبير على الرأي العام ، مثل المجال الاعلامي ، فماذا لو تم إيقاف قنوات اذاعية وفضائية تعمل على إشاعة ثقافة الوقف بين افراد المجتمع ، وتتفاعل مع المجتمع وتبين احتياجاته وتعرضها امام الميسورين والمحسنين والمسؤولين ، فكم شاهدنا قنوات فضائية تعرض تقارير عن قضايا إنسانية (تقارير عن حاجة بعض المناطق لمدارس ، تقارير عن اطفال الشوارع الذين لايجدون مأوى وغيرها)، وعلى ضوء هذا العرض تتم الاستجابة من المسؤولين ، او المحسنين .
5. العمل على إشاعة ثقافة الوقف من خلال التعاون مع الجامعات ومنظمات المجتمع المدني التي تقوم بتقديم خدماتها المتنوعة الى جانب المؤسسات الحكومية ، في الكثير من البلدان.
6. البحث الجاد عن اسباب تراجع الوقف الاسلامي وعزوف البعض عن المساهمة في هذا المجال ، والاعتراف بالأخطاء التي ساهمت بهذا التراجع وفي ضوء ذلك يمكن تحديد المعالجة والنهوض بواقع الوقف على نحو افضل.
7.ايجاد ادارة تضم خبرات إدارية ومالية وشرعية وقانونية لادارة المؤسسات الوقفية ويجب ان تعمل على ترشيد إنفاق الريع للوفاء بشروط الواقفين، وترشيد إنفاق هذه الأوقاف،
قائمة المصادر والمراجع
اولا : المصادر
1. ابن الاثير ، ابو الحسن عز الدين الشيباني ، الكامل في التاريخ ، ج5،(بيروت ، 1978).
2.الاصفهاني ، عماد الدين محمد بن محمد بن حامد ، تاريخ دولة ال سلجوق ، (بيروت ، 1978).
3. البغدادي ، ابي بكر احمد بن علي الخطيب ، تاريخ بغداد ، ج1،(بيروت ، د.ت).
4. البغدادي ،ابي الفضل عبد الرزاق بن الفوطي ، الحوادث الجامعة والتجارب النافعة في المائة السابعة ، ( بغداد ، 1351هــ).
5. ابن خلكان ، احمد بن محمد بن ابي بكر ، وفيات الاعيان وإنباء ابناء الزمان ، ج2،(بيروت ، 1977).
6. ابن جبير، ابو الحسن محمد بن احمد ، رحلة بن جبير، ( بيروت، 1964).
7. ابن الجوزي ، ابو المظفر يوسف بن فزاوغلي سبط ، مراة الزمان في تاريخ الاعيان،ج8 ،(حيدر اباد ، 1370هـــــ).
8. ابن الجوزي،عبد الرحمن بن علي،المنتظم في تاريخ الملوك والامم،،ج9،(حيدر اباد،1990).
9. الذهبي ، محمد بن احمد ، تاريخ الاسلام ووفيات المشاهير والاعلام احداث سنة 631هـــ ، (بيروت ، 1988).
10. الرازي ، محمد بن ابي بكر ، مختار الصحاح ، (بيروت ، 1979).
11. السبكي،تاج الدين ابي نصر بن علي، طبقات الشافعية الكبرى ، ج3،(دار هجر ، 1413).
12. السهروردي ، عبد الناصر بن عبد الله ، عوارف المعارف ، (بيروت ، 1966).
13. الغساني، اسماعيل بن العباس الاشرف ، العسجد المسبوك والجوهر المحكوك في طبقات الخلفاء والملوك ، ج2 ،(بيروت ،د.ت).
14. القزويني ، زكريا محمد بن محمود ، اثار البلاد واخبار العباد ، (بيروت ، 1960).
15. ابن كثير، ابو الفداء عماد بن اسماعيل بن عمر،البداية والنهاية،ج13 ،(بيروت ، 1977).
16. المقريزي ، احمد بن علي ، المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والاثار،ج ،(بيروت ، د.ت).
17. ابن النديم ، محمد بن اسحاق ، الفهرست ، (بيروت ، 1964).
ثانيا : المراجع العربية
1. احمد،ابراهيم خليل،تطور التعليم الوطني في العراق (1869-1932) ، (البصرة ، 1982).
2. امين ، حسين ، المدرسة المستنصرية ، (بغداد ، 1960).
3. البرهاوي ، رعد محمود ، خدمات الأوقاف في الحضارة العربية الاسلامية الى نهاية القرن العاشر الميلادي ، (بغداد ، 2002).
4. حتي ، فيليب ، تاريخ العرب المطول ، (بيروت ، 1951).
5. الديوه جي ، سعيد ، التربية والتعليم في الاسلام ، (د.م ، د.ت).
6. ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ ، الموصل في العهد الاتابكي ، (بغداد ، 1958).
7. رؤوف ،عماد عبد السلام ، مدارس بغداد في العصر العباسي الاول ، (بغداد ، 1966).
8. الزحيلي ، وهبة ، الفقه الاسلامي وأدلته ، ج10 ، (عمان ، 1997)،
9. زيدان ، جرجي ، تاريخ التمدن الاسلامي ، ج3 ،(القاهرة ، 1967).
10. الشطي ،حمد شوكت ، مجموعة ابحاث في الحضارة العربية الاسلامية والمجتمع العربي ، (دمشق ، 1963) .
11. شلبي ،احمد ، الفكر الاسلامي منابعه واثاره ، ( القاهرة ، 1987).
12 طلس ، محمد اسعد ، التربية في الاسلام ، (بيروت ، 1957).
13. عبد الله ، محمد بن عبد العزيز بن ، الوقف في الفكر الاسلامي ، (المغرب ، 1996).
14.العبيدي ، غانم سعيد ، التعليم الاهلي في العراق ، (بغداد،1970).
15. العزاوي ، عباس ، تاريخ العراق بين احتلالين، ج2، (بغداد ، 1939).
16.عواد ، كوركيس ، خزائن الكتب القديمة في العراق منذ اقدم العصور حتى سنة 1000 للهجرة ، (بغداد ،د.ت).
17. معروف ، ناجي ، المدارس الشرابية ، (بغداد ، 1964).
18. منصور، سليم هاني ، الوقف ودوره في المجتمع الاسلامي المعاصر ، (بيروت ، 2004).
19.الهلالي،عبد الرزاق،تاريخ التعليم في العراق في العهد العثماني 1638-1917 ، (بغداد ، 1959).
ثالثا :الرسائل الجامعية :
1.احمد ، رضا احمد ، المدارس في بلاد الشام في العصر الايوبي (570-658هـــ / 1174-1260م) ، رسالة ماجستير غير منشورة ، كلية التربية ، جامعة الموصل ، 2008.
2. احمد ، عبد الجبار حامد ، الحياة العلمية فالموصل في عصر الاتابكة 521-660هـــــــ / 1127-1262م ، رسالة ماجستير ، كلية الاداب ، جامعة الموصل ، 1975.
4. الطائي ، ذنون يونس حسين ، الاتجاهات الاصلاحية في الموصل في اواخر العهد العثماني وحتى تأسيس الحكم الوطني ، رسالة ماجستير ، كلية الاداب ، جامعة الموصل ، 1990
5.الطائي ، فوزي امين يحيى ، الخدمات الوقفية في العراق وبلاد الشام في القرنين السادس والسابع الهجريين الثاني عشر والثالث عشر الميلاديين ، اطروحة دكتوراه ، كلية الاداب ، جامعة الموصل ، 1997.
6.العبيدي ، شذى فيصل رشو ، الادارة العثمانية في الموصل في عهد الاتحاديين 1908-1918 ، رسالة ماجستير ، كلية الاداب ، جامعة الموصل ، 1997.
7. العمري ، اكرم ضياء ، التعليم الاسلامي بين الاصالة والتجديد ، اطروحة دكتوراه ، الجامعة الاسلامية بالمدينة المنورة ، شعبة الدعوة والتربية الإسلامية ، 1989.
رابعا :البحوث :
1. الديوه جي ، سعيد ، "مدارس الموصل في العهد العثماني" ، مجلة سومر ، مجلد 18-19، (بغداد ، 1962).
2.الزايدي ، عبد الله ، " التاثير الثقافي للوقف الاسلامي"،مجلة اوقاف، العدد (11) ، (الكويت).
3. سعد ، خير الله ، " المكتبات في العراق في العصر العباسي" ، مجلة الوقف الادبي ، (دمشق، 2010)،منشور على شبكة المعلومات الدولية على الموقع www.awu-dam.org
4. القدومي ، عيسى ، "من روائع اوقاف المسلمين المدرسة المستنصرية " منشور على شبكة المعلومات الدولية (الانترنيت) على الموقع esscom.com www.
5. المزيني ، ابراهيم بن محمد الحمد ، "الوقف ودوره في تشييد بنية الحضارة الاسلامية ، بحث مقدم الى ندوة المكتبات الوقفية المنعقدة في المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية ، 1420هـــــ.
6.معروف ، ناجي ، " مدارس قبل النظامية " ، مجلة المجمع العلمي العراقي ، مجلد 22 ، (بغداد ،1973).
الدكتور صلاح عريبي عباس
السبت، 31 ديسمبر 2011
الاثنين، 30 مايو 2011
العفو والتسامح في حياة الامام علي بن ابي طالب (رضي الله عنه)
العفو والتسامح
في حياة الامام علي بن ابي طالب (رضي الله عنه)
الدكتور صلاح عريبي عباس
شمل الاسلام بيسره ورفقه وسماحته الناس جميعا ، فتسامح معهم في كثير من القضايا والاحكام ، ودعا الى تبني منهج العفو والتسامح بين الافراد والجماعات من اجل تجنب تكرار الشر والفساد ،واملا في ان يكون ذلك سبيلا للاصلاح ، وهذا ما نراه في قوله تعالى ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ أذ ان الدفع بالحسنى من شأنه ان يجلب المحبة والثقة بين الناس . وقد ارسل الله رسوله محمد (صلى الله عليه وسلم) رحمة للخلق قال تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ وقال عليه الصلاة والسلام (لايرحم الله من لا يرحم الناس ) ، والمتتبع لسيرة المصطفى (صلى لله عليه وسلم ) يجد ان العفو والتسامح عن المخطئين من صفاته ، ولان الامام علي بن ابي طالب كان التلميذ الأنجب لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومن خير السائرين على سنته حتى انه كان يقول عن اتباعه لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) (( كنت اتبعه اتباع الفصيل اثر امه ، يرفع لي في كل يوم من اخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به)) فقد كان العفو والتسامح منهجا وسلوكا في حياته جعلته معلم للحب والعفو الذي يرنو الى التسامي فوق النظرات الضيقة التي تقسم البشر الى طبقات وفئات عنصرية وطائفية وعشائرية.
كثيرة هي المواقف التي تدل على العفو والتسامح في حياة الامام علي رضي الله عنه فقد اقترنت شجاعته بالابتعاد عن البغي والعدوان ، فعلى الرغم من كثرة الحروب التي خاضها لم نجده يوما يبدا احدا بقتال او يقاتل احدا قبل ان يدعوه الى الجنوح الى السلم والرجوع الى الحق ، وهذا ما نراه واضحا في فعله مع الخوارج ومع معاوية ومع اصحاب وقعة الجمل . كما كان خلال معاركه مع الخارجين عليه يوصي رجاله بعدم الاجهاز على الجريح وقتل المولي واغتنام المال واستحلال الاعراض ، كما كان يعفو ويتسامح مع اخطر خصومه والد اعدائه ، وهذا ما يمكن ان نراه واضحا في فعله مع عبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص بعد معركة الجمل . وكثيرا ما كانت مروءته ملجا لخصومه ومثال ذلك ما قام به طلحة صاحب لواء قريش في معركة احد عندما طلب مبارزا فقال : يا اصحاب محمد ، تزعمون ان الله تعجلنا بأسيافكم الى النار ، ويعجلكم بأسيافنا الى الجنة ، فأيكم يبرز الى فبرز اليه الامام علي رض الله عنه وقال : والله لا افارقك حتى اعجلك بسيفي الى النار فاختلفا بضربتين فضربه علي فقطع رجله فأراد ان يجهز عليه فقال : ((انشدك الله والرحم يا ابن عم)) ..فأنصرف عنه ، ولكنه مات لساعته.
كما كان عليه السلام يكرم قتلى المسلمين فقد صلى في معركة الجمل على القتلى من اصحابه وخصومه ، لا بل انه اخذ يذكر ويذكر بفضل بعض من خصومه ، ومن ذلك انه عندما راى جثمان طلحة في معركة الجمل بكى حتى اخضلت لحيته ، وجعل يمسح التراب عن وجه طلحة وهو يقول : ((عزيز على ان اراك ابا محمد معفرا تحت نجوم السماء ، ابعد جهادك في الله ، وذبك عن رسول الله صلى عليه وسلم ؟ )) وتمنى لو قبضه الله قبل ذلك بعشرين سنة.
كما كان عليه السلام متسامحا حتى مع الذين يوجهون اليه الاهانه ويمكن ان نرى ذلك من خلال موقفه من صفيه ام طلحة حين قالت له : (( يا قاتل الاحبة ، يا مفرق الجماعة ، ايتم الله منك بنيك كما ايتمت ابنائي)) ، وحين كررت القول قال له رجل من أتباعه أغضبته مقالتها يا امير المؤمنين اتسكت عن هذه المراة وهي تقول ما تسمع ، فقال منتهرا الرجل :(ويحك انا امرنا ان نكف عن النساء وهن مشركات ، افلا نكف عنهن وهن مسلمات؟).
فضلا عما تقدم فان الامام علي كرم الله وجه كثيرا ما كان يوصي اولاده واصحابه بتبني منهج الحب والعفو والتسامح ونبذ ثقافة العنف والعدوان ونذكر من ذلك وصيته لابنه الحسن عليه السلام (( يا بني اجعل ميزانا فيما بينك وبين غيرك ، فأحب لغيرك ما تحب لنفسك ، واكره له ما تكره لها ، ولا تظلم كما لا تحب ان تظلم ، واحسن كما تحب ان يحسن اليك ، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك .. وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك)).
في حياة الامام علي بن ابي طالب (رضي الله عنه)
الدكتور صلاح عريبي عباس
شمل الاسلام بيسره ورفقه وسماحته الناس جميعا ، فتسامح معهم في كثير من القضايا والاحكام ، ودعا الى تبني منهج العفو والتسامح بين الافراد والجماعات من اجل تجنب تكرار الشر والفساد ،واملا في ان يكون ذلك سبيلا للاصلاح ، وهذا ما نراه في قوله تعالى ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ أذ ان الدفع بالحسنى من شأنه ان يجلب المحبة والثقة بين الناس . وقد ارسل الله رسوله محمد (صلى الله عليه وسلم) رحمة للخلق قال تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ وقال عليه الصلاة والسلام (لايرحم الله من لا يرحم الناس ) ، والمتتبع لسيرة المصطفى (صلى لله عليه وسلم ) يجد ان العفو والتسامح عن المخطئين من صفاته ، ولان الامام علي بن ابي طالب كان التلميذ الأنجب لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومن خير السائرين على سنته حتى انه كان يقول عن اتباعه لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) (( كنت اتبعه اتباع الفصيل اثر امه ، يرفع لي في كل يوم من اخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به)) فقد كان العفو والتسامح منهجا وسلوكا في حياته جعلته معلم للحب والعفو الذي يرنو الى التسامي فوق النظرات الضيقة التي تقسم البشر الى طبقات وفئات عنصرية وطائفية وعشائرية.
كثيرة هي المواقف التي تدل على العفو والتسامح في حياة الامام علي رضي الله عنه فقد اقترنت شجاعته بالابتعاد عن البغي والعدوان ، فعلى الرغم من كثرة الحروب التي خاضها لم نجده يوما يبدا احدا بقتال او يقاتل احدا قبل ان يدعوه الى الجنوح الى السلم والرجوع الى الحق ، وهذا ما نراه واضحا في فعله مع الخوارج ومع معاوية ومع اصحاب وقعة الجمل . كما كان خلال معاركه مع الخارجين عليه يوصي رجاله بعدم الاجهاز على الجريح وقتل المولي واغتنام المال واستحلال الاعراض ، كما كان يعفو ويتسامح مع اخطر خصومه والد اعدائه ، وهذا ما يمكن ان نراه واضحا في فعله مع عبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص بعد معركة الجمل . وكثيرا ما كانت مروءته ملجا لخصومه ومثال ذلك ما قام به طلحة صاحب لواء قريش في معركة احد عندما طلب مبارزا فقال : يا اصحاب محمد ، تزعمون ان الله تعجلنا بأسيافكم الى النار ، ويعجلكم بأسيافنا الى الجنة ، فأيكم يبرز الى فبرز اليه الامام علي رض الله عنه وقال : والله لا افارقك حتى اعجلك بسيفي الى النار فاختلفا بضربتين فضربه علي فقطع رجله فأراد ان يجهز عليه فقال : ((انشدك الله والرحم يا ابن عم)) ..فأنصرف عنه ، ولكنه مات لساعته.
كما كان عليه السلام يكرم قتلى المسلمين فقد صلى في معركة الجمل على القتلى من اصحابه وخصومه ، لا بل انه اخذ يذكر ويذكر بفضل بعض من خصومه ، ومن ذلك انه عندما راى جثمان طلحة في معركة الجمل بكى حتى اخضلت لحيته ، وجعل يمسح التراب عن وجه طلحة وهو يقول : ((عزيز على ان اراك ابا محمد معفرا تحت نجوم السماء ، ابعد جهادك في الله ، وذبك عن رسول الله صلى عليه وسلم ؟ )) وتمنى لو قبضه الله قبل ذلك بعشرين سنة.
كما كان عليه السلام متسامحا حتى مع الذين يوجهون اليه الاهانه ويمكن ان نرى ذلك من خلال موقفه من صفيه ام طلحة حين قالت له : (( يا قاتل الاحبة ، يا مفرق الجماعة ، ايتم الله منك بنيك كما ايتمت ابنائي)) ، وحين كررت القول قال له رجل من أتباعه أغضبته مقالتها يا امير المؤمنين اتسكت عن هذه المراة وهي تقول ما تسمع ، فقال منتهرا الرجل :(ويحك انا امرنا ان نكف عن النساء وهن مشركات ، افلا نكف عنهن وهن مسلمات؟).
فضلا عما تقدم فان الامام علي كرم الله وجه كثيرا ما كان يوصي اولاده واصحابه بتبني منهج الحب والعفو والتسامح ونبذ ثقافة العنف والعدوان ونذكر من ذلك وصيته لابنه الحسن عليه السلام (( يا بني اجعل ميزانا فيما بينك وبين غيرك ، فأحب لغيرك ما تحب لنفسك ، واكره له ما تكره لها ، ولا تظلم كما لا تحب ان تظلم ، واحسن كما تحب ان يحسن اليك ، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك .. وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك)).
دور الجامعات العراقية في تنمية وتطوير المجتمع
دور الجامعات العراقية في تنمية وتطوير المجتمع
د.صلاح عريبي عباس
كلية التربية جامعة كركوك
مما لاشك فيه ان من اهم وظائف الجامعات هي الاضطلاع بخدمة المجتمعات التي تتواجد فيها بحيث تكون نشاطاتها معبرة عن رغبة واتجاهات هذه المجتمعات .لذى تقع على الجامعات مهمة التفاعل مع المجتمع ومتطلباته والتخطيط لتنفيذ هذه المتطلبات , وفي المقابل يلعب المجتمع دورا بارزا في حماية الجامعات واستقرارها وتقديم العون لها , ولذلك فان التفاعل بين الجامعات والمجتمع هو تفاعل عضوي اذ لاوجود للجامعات دون المجتمعات ولا وجود للمجتمعات التي تسعى من اجل التنمية والتطور دون وجود الجامعات , ومن هذا المنطلق تقع اليوم على الجامعات العراقية ولاسيما بعد التغيرات الجوهرية التي شهدها العراق منذ عام 2003 مهمة اعداد الشباب المسلح بروح المعرفة العلمية والقادر على تحمل مسؤوليته في عملية التغيير. لا سيما وان الجامعات العراقية بقيت تسير في الاطار التقليدي فيما تقدمه من خدمات , ولم تسعى الى ان تمارس دورا اكثر شمولية بحيث يكون لها اسهام حقيقي في اعادة اللحمة بين مكونات الشعب العراقي ومواجهة التحديات التي تعصف بالبلاد , فلم نجد جامعة اقامة نشاطات من شأنها تعزيز الوحدة والوقوف بوجه موجة الطائفية والقومية وبيان مخاطر الارهاب واثره على امن واستقرار البلاد ,ولم نجد الدراسات الكافية التي يمكن من خلالها ان نعيد بناء العراق وبمختلف المجالات , بل ان جامعاتنا بدل من ان تكون رائدة في قيادة المجتمع وتغييره اصبحت تابعة تعكس سلبياته وتلهث ورائه , ولكي تقوم الجامعات بدورها الحقيقي في تطوير وتنمية المجتمع وتحقيق التقدم والازدهار في مختلف المجالات لابد من اعادة النظر في هيكل التعليم كله واوضاع الجامعات وتحويلها من مراكز تقليدية لتخريج الطلبة الى مراكز لبناء جيل جديد قادر على استيعاب المستجدات في العلوم والتكنولوجيا وثورة المعلومات المتدفقة , وحتى تستطيع الجامعات ان تؤدي دورها الفاعل لابد من التركيز في ضرورة تنمية الفكر العلمي , واخذ قضايا المجتمع ومشاكله المعقدة بنظر الاعتبار , وايجاد الحلول لها وخدمة المجتمع المهني والوطني والقومي والانساني , وبمعنى اخر فان فلسفة التعليم العالي واهدافه المطلوبة ينبغي ان تكون فلسلفة واضحة الاسس علمية التطبيق تربط بين التنمية التربوية والتنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية والتنمية الثقافية واخيرا التنمية السياسية وبناء على ما تقدم يمكن القول ان جامعاتنا وبالرغم من التقدم الذي حصل في بعض منها لم يتسنى لها بعد ان تصبح مؤسسات اصيلة ذات بنية ذاتية تسهم في حركة التغيير السياسي والثقافي والتربوي والفكري والاقتصادي والاجتماعي , ومعنى هذا انها لم تحقق بعد الحد الادنى من رسالتها لذلك نود ان نطرح السؤال التالي ما هو المطلوب من جامعاتنا اليوم لكي تقوم بدورها على الوجه الاكمل , وللاجابة على هذا السؤال نقدم جملة من المقترحات من شانها فيما لو اخذت بعين الاعتبار ان تسهم في تطور الجماعات وبالتالي تطور المجتمع وهي كالاتي ..
1.ادراك حقيقة ومدى التغييرات المعاصرة واثارها في شتى المجالات وهي ان العالم يتغير تعليميا وتكنلوجيا ونحن ايضا يجب ان نتغير وعلينا ادراك وفهم عوامل التغيير وتوظيفها لتحقيق طموحاتنا .
2.ادراك الواقع العراقي المعاصر (ايجابياته وسلبياته) وفحص مدى قدرته على استيعاب التغييرات واستثمارها دون الوقوع في سلبياتها حيث ان الواقع العراقي تغير منذ عام 2003 تغيرا شاملا سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وسلوكيا وتغيرت الكثير من القيم والمفاهيم وانماط العلاقات بين فئات المجتمع مما يوجب دراسة كل ذلك واستيعاب كيفية تطوير النظام الجامعي ليتفاعل مع كل هذه المتغيرات .
3.ابراز الدور القيادي الريادي للجامعات في تطوير المجتمعات المحلية وضرورة توفير وتشجيع الاستقلال الفكري والعلمي لهذه الجامعات والسماح بتمايزها واختلاف انماطها ونظمها بما يساعد على حرية الحركة في المجتمع ويكسبها القدرة على التأثير والتأثر والاشعاع العلمي .
4. ضرورة التاكيد على ان الجامعات ليست مجرد مؤسسات اكاديمية تخرج الطلبة , بل ان دورها اكبر من ذلك فهي بالاساس مراكز للبحث العلمي والتنوير الثقافي والمجتمعي . ولذلك يجب الارتقاء بها من خلال ما ياتي ك
1. ايجاد تنظيم اداري مرن متكيف مع تطورات العلمية واهداف العلمية التعليمة , فلا زالت الكتب الرسمية بين الجامعات والوزارة على سبيل المثال تصل بالطرق الكلاسيكية التقليدية عن طريق المعتمد وبالتالي تمضي ايام عليها الامر الذي يحرم الكثير من الاساتذة والطلبة من الاستفادة من بعض الامور ولاسيما الزمالات والبعثات والمؤتمرات.
2.تطوير المكتبات الجامعية واعطائها الاولوية القصوى باعتبارها الركيزة الثالثة بالجامعة بعد الاستاذ والطالب .
3.خلق مناخ ايجابي متميز يحقق لطلاب الجامعة فرصا أفضل للنمو العلمي والفكري والإسهام بأنشطة وممارسات هادفة لتنمية قدراتهم الفكرية والثقافية والرياضية وإعدادهم ليكونوا قادة في المجتمع .
4.تحقيق الانفتاح على المجتمع وانفتاح المجتمع على الجامعة من حيث ربط الجامعة بالمجتمع والتعرف على ما يدور في الجامعة من ابحاث وانشطة وفعاليات . وكذلك اجراء الندوات والمؤتمرات التي تعالج قضايا اجتماعية مهمة ودعوات شخصيات من مختلف اطياف المجتمع للمشاركة والحضور فيها سيما وان بلدنا اليوم متخم بهذه القضايا .
5.ان الجامعات هي النموذج الحقيقي والمجال الارحب لتطبيق النظام الديمقراطي باجلى معانية حيث الاساتذة والطلبة يتفاعلون في مناخ ايجابي يقوم على حرية التعبير واستقلالية الفكر واختلاف الرؤى والمدارس الفكرية لذلك من الواجب ان تكون الجامعة هي المنبر الحقيقي للتعريف بالديمقراطية وبالتالي تخرج طلبة مدركين لهذا المعنى وبامكانهم ممارسته في المجتمع ونقل ما يعرفونه الى باقي فئات المجتمع سيما وان الكثيرين لم يستوعبوا بعد معنى الديمقراطية لا بل اخذوا يمارسون الفوضوية باسم الديمقراطية.
6. تجديد المنهاج التعليمية وربطها بالخطط الشاملة لسد حاجات البلد من المهارات والاختصاصات الضرورية لمواكبة التقدم , خصوصا وان الكثير من المناهج التي لا زالت تدرس لحد الان هي مناهج عفى عليها الزمن واصبحت غير ملائمة لمتطلبات العصر وقسم منها يعكس رؤى من الماضي , فبعض المناهج الدراسية تعرف الطلبة بمختلف الشعوب والثقافات والاديان لكنها عموما تتحاشى التعريف بالفئات المحلية الدينية والقومية التي يتعايش معها الطالب في حياته اليومية ، بل ان ابناء هذه الفئات هم معه على مقاعد الدراسة ، فمثلا ان مناهج التاريخ تقدم للطالب التاريخ العربي فقط مع الغاء تام لدور الاكراد والتركمان والسريان في صنع هذا التاريخ ، لا بل كثيرا ما يتم ذكر هذه الفئات بصورة سلبية باعتبارها عناصر اعجمية دورها تخريبي في التاريخ العربي ، فكيف ننتظر الاخلاص والانتماء الوطني من اناس تنبذهم ثقافاتنا وتربيتنا الوطنية ، لذا من الواجب ان تكون هناك اعادة صياغة لهذه المناهج بنحو يقوي شعور الانتماء لدى مختلف ابناء الوطن الواحد. كما يجب ان تحتوي المناهج الدراسية على مبادئ وأساسيات المواطنة الصالحة وحب الانتماء للوطن وروح التضحية ، وطرق ووسائل حماية الانسان لنفسه وماله وفكره ، وعواقب الافكار الهدامة والاعمال غير المشروعة.
6. ان تركز الجامعات على تنمية القدره على التسامح واشاعة ثقافة السلام والحوار واحترام الاختلافات الثقافية والتركيز على المشتركات , وذلك من خلال اقامة الورش التدريبية والندوات والمؤتمرات والتعاون مع منظمات المجتمع المدني التي يعمل بعضها مشكورا بشكل جدي من اجل اشاعة هذه الثقافات.
7. العمل على تعزيز روح المواطنة وقيمها السامية , عن طريق بلورة وعي وطني يقدم الانتماء والولاء للدولة على الانتماءات والولاءات الجزئية باعتبار الجامعة اداة للصهر والاندماج الاجتماعي وبالتالي فان الجامعات قادرة على ترسيخ وتعزيز قيم المواطنة العراقية التي باتت تشكل مطلبا جوهريا في المرحلة المعاصرة من تاريخ العراق السياسي وحاجة ملحة من اجل مشاركة جميع العراقيين في بناء دولتهم الجديدة وتجاوز كل ما من شأنه ان يكون مدعاة للخلاف كون المواطنة تعني التوافق والمشاركة والاعتماد المتبادل في المجتمع .
واخيرا نقول ان الجامعات العراقية بوصفها مؤسسات علمية تهتم بتنشئة جيل تعتمد عليه خطط المستقبل يجب ان لاتبتعد عن حقيقية المشاكل المجتمعية التي تؤثر في اداء وفاعلية الجامعات في تحقيق هدفها بالتنشئة والتثقيف والاندماج الوطني باعتباره الاداة التي تنصهر فيها جميع التوجهات الفكرية والثقافية والدينية مما يجعلها قادرة على خلق رؤية وطنية تجمع ابناء الوطن بمختلف مكوناتهم .
د.صلاح عريبي عباس
كلية التربية جامعة كركوك
مما لاشك فيه ان من اهم وظائف الجامعات هي الاضطلاع بخدمة المجتمعات التي تتواجد فيها بحيث تكون نشاطاتها معبرة عن رغبة واتجاهات هذه المجتمعات .لذى تقع على الجامعات مهمة التفاعل مع المجتمع ومتطلباته والتخطيط لتنفيذ هذه المتطلبات , وفي المقابل يلعب المجتمع دورا بارزا في حماية الجامعات واستقرارها وتقديم العون لها , ولذلك فان التفاعل بين الجامعات والمجتمع هو تفاعل عضوي اذ لاوجود للجامعات دون المجتمعات ولا وجود للمجتمعات التي تسعى من اجل التنمية والتطور دون وجود الجامعات , ومن هذا المنطلق تقع اليوم على الجامعات العراقية ولاسيما بعد التغيرات الجوهرية التي شهدها العراق منذ عام 2003 مهمة اعداد الشباب المسلح بروح المعرفة العلمية والقادر على تحمل مسؤوليته في عملية التغيير. لا سيما وان الجامعات العراقية بقيت تسير في الاطار التقليدي فيما تقدمه من خدمات , ولم تسعى الى ان تمارس دورا اكثر شمولية بحيث يكون لها اسهام حقيقي في اعادة اللحمة بين مكونات الشعب العراقي ومواجهة التحديات التي تعصف بالبلاد , فلم نجد جامعة اقامة نشاطات من شأنها تعزيز الوحدة والوقوف بوجه موجة الطائفية والقومية وبيان مخاطر الارهاب واثره على امن واستقرار البلاد ,ولم نجد الدراسات الكافية التي يمكن من خلالها ان نعيد بناء العراق وبمختلف المجالات , بل ان جامعاتنا بدل من ان تكون رائدة في قيادة المجتمع وتغييره اصبحت تابعة تعكس سلبياته وتلهث ورائه , ولكي تقوم الجامعات بدورها الحقيقي في تطوير وتنمية المجتمع وتحقيق التقدم والازدهار في مختلف المجالات لابد من اعادة النظر في هيكل التعليم كله واوضاع الجامعات وتحويلها من مراكز تقليدية لتخريج الطلبة الى مراكز لبناء جيل جديد قادر على استيعاب المستجدات في العلوم والتكنولوجيا وثورة المعلومات المتدفقة , وحتى تستطيع الجامعات ان تؤدي دورها الفاعل لابد من التركيز في ضرورة تنمية الفكر العلمي , واخذ قضايا المجتمع ومشاكله المعقدة بنظر الاعتبار , وايجاد الحلول لها وخدمة المجتمع المهني والوطني والقومي والانساني , وبمعنى اخر فان فلسفة التعليم العالي واهدافه المطلوبة ينبغي ان تكون فلسلفة واضحة الاسس علمية التطبيق تربط بين التنمية التربوية والتنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية والتنمية الثقافية واخيرا التنمية السياسية وبناء على ما تقدم يمكن القول ان جامعاتنا وبالرغم من التقدم الذي حصل في بعض منها لم يتسنى لها بعد ان تصبح مؤسسات اصيلة ذات بنية ذاتية تسهم في حركة التغيير السياسي والثقافي والتربوي والفكري والاقتصادي والاجتماعي , ومعنى هذا انها لم تحقق بعد الحد الادنى من رسالتها لذلك نود ان نطرح السؤال التالي ما هو المطلوب من جامعاتنا اليوم لكي تقوم بدورها على الوجه الاكمل , وللاجابة على هذا السؤال نقدم جملة من المقترحات من شانها فيما لو اخذت بعين الاعتبار ان تسهم في تطور الجماعات وبالتالي تطور المجتمع وهي كالاتي ..
1.ادراك حقيقة ومدى التغييرات المعاصرة واثارها في شتى المجالات وهي ان العالم يتغير تعليميا وتكنلوجيا ونحن ايضا يجب ان نتغير وعلينا ادراك وفهم عوامل التغيير وتوظيفها لتحقيق طموحاتنا .
2.ادراك الواقع العراقي المعاصر (ايجابياته وسلبياته) وفحص مدى قدرته على استيعاب التغييرات واستثمارها دون الوقوع في سلبياتها حيث ان الواقع العراقي تغير منذ عام 2003 تغيرا شاملا سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وسلوكيا وتغيرت الكثير من القيم والمفاهيم وانماط العلاقات بين فئات المجتمع مما يوجب دراسة كل ذلك واستيعاب كيفية تطوير النظام الجامعي ليتفاعل مع كل هذه المتغيرات .
3.ابراز الدور القيادي الريادي للجامعات في تطوير المجتمعات المحلية وضرورة توفير وتشجيع الاستقلال الفكري والعلمي لهذه الجامعات والسماح بتمايزها واختلاف انماطها ونظمها بما يساعد على حرية الحركة في المجتمع ويكسبها القدرة على التأثير والتأثر والاشعاع العلمي .
4. ضرورة التاكيد على ان الجامعات ليست مجرد مؤسسات اكاديمية تخرج الطلبة , بل ان دورها اكبر من ذلك فهي بالاساس مراكز للبحث العلمي والتنوير الثقافي والمجتمعي . ولذلك يجب الارتقاء بها من خلال ما ياتي ك
1. ايجاد تنظيم اداري مرن متكيف مع تطورات العلمية واهداف العلمية التعليمة , فلا زالت الكتب الرسمية بين الجامعات والوزارة على سبيل المثال تصل بالطرق الكلاسيكية التقليدية عن طريق المعتمد وبالتالي تمضي ايام عليها الامر الذي يحرم الكثير من الاساتذة والطلبة من الاستفادة من بعض الامور ولاسيما الزمالات والبعثات والمؤتمرات.
2.تطوير المكتبات الجامعية واعطائها الاولوية القصوى باعتبارها الركيزة الثالثة بالجامعة بعد الاستاذ والطالب .
3.خلق مناخ ايجابي متميز يحقق لطلاب الجامعة فرصا أفضل للنمو العلمي والفكري والإسهام بأنشطة وممارسات هادفة لتنمية قدراتهم الفكرية والثقافية والرياضية وإعدادهم ليكونوا قادة في المجتمع .
4.تحقيق الانفتاح على المجتمع وانفتاح المجتمع على الجامعة من حيث ربط الجامعة بالمجتمع والتعرف على ما يدور في الجامعة من ابحاث وانشطة وفعاليات . وكذلك اجراء الندوات والمؤتمرات التي تعالج قضايا اجتماعية مهمة ودعوات شخصيات من مختلف اطياف المجتمع للمشاركة والحضور فيها سيما وان بلدنا اليوم متخم بهذه القضايا .
5.ان الجامعات هي النموذج الحقيقي والمجال الارحب لتطبيق النظام الديمقراطي باجلى معانية حيث الاساتذة والطلبة يتفاعلون في مناخ ايجابي يقوم على حرية التعبير واستقلالية الفكر واختلاف الرؤى والمدارس الفكرية لذلك من الواجب ان تكون الجامعة هي المنبر الحقيقي للتعريف بالديمقراطية وبالتالي تخرج طلبة مدركين لهذا المعنى وبامكانهم ممارسته في المجتمع ونقل ما يعرفونه الى باقي فئات المجتمع سيما وان الكثيرين لم يستوعبوا بعد معنى الديمقراطية لا بل اخذوا يمارسون الفوضوية باسم الديمقراطية.
6. تجديد المنهاج التعليمية وربطها بالخطط الشاملة لسد حاجات البلد من المهارات والاختصاصات الضرورية لمواكبة التقدم , خصوصا وان الكثير من المناهج التي لا زالت تدرس لحد الان هي مناهج عفى عليها الزمن واصبحت غير ملائمة لمتطلبات العصر وقسم منها يعكس رؤى من الماضي , فبعض المناهج الدراسية تعرف الطلبة بمختلف الشعوب والثقافات والاديان لكنها عموما تتحاشى التعريف بالفئات المحلية الدينية والقومية التي يتعايش معها الطالب في حياته اليومية ، بل ان ابناء هذه الفئات هم معه على مقاعد الدراسة ، فمثلا ان مناهج التاريخ تقدم للطالب التاريخ العربي فقط مع الغاء تام لدور الاكراد والتركمان والسريان في صنع هذا التاريخ ، لا بل كثيرا ما يتم ذكر هذه الفئات بصورة سلبية باعتبارها عناصر اعجمية دورها تخريبي في التاريخ العربي ، فكيف ننتظر الاخلاص والانتماء الوطني من اناس تنبذهم ثقافاتنا وتربيتنا الوطنية ، لذا من الواجب ان تكون هناك اعادة صياغة لهذه المناهج بنحو يقوي شعور الانتماء لدى مختلف ابناء الوطن الواحد. كما يجب ان تحتوي المناهج الدراسية على مبادئ وأساسيات المواطنة الصالحة وحب الانتماء للوطن وروح التضحية ، وطرق ووسائل حماية الانسان لنفسه وماله وفكره ، وعواقب الافكار الهدامة والاعمال غير المشروعة.
6. ان تركز الجامعات على تنمية القدره على التسامح واشاعة ثقافة السلام والحوار واحترام الاختلافات الثقافية والتركيز على المشتركات , وذلك من خلال اقامة الورش التدريبية والندوات والمؤتمرات والتعاون مع منظمات المجتمع المدني التي يعمل بعضها مشكورا بشكل جدي من اجل اشاعة هذه الثقافات.
7. العمل على تعزيز روح المواطنة وقيمها السامية , عن طريق بلورة وعي وطني يقدم الانتماء والولاء للدولة على الانتماءات والولاءات الجزئية باعتبار الجامعة اداة للصهر والاندماج الاجتماعي وبالتالي فان الجامعات قادرة على ترسيخ وتعزيز قيم المواطنة العراقية التي باتت تشكل مطلبا جوهريا في المرحلة المعاصرة من تاريخ العراق السياسي وحاجة ملحة من اجل مشاركة جميع العراقيين في بناء دولتهم الجديدة وتجاوز كل ما من شأنه ان يكون مدعاة للخلاف كون المواطنة تعني التوافق والمشاركة والاعتماد المتبادل في المجتمع .
واخيرا نقول ان الجامعات العراقية بوصفها مؤسسات علمية تهتم بتنشئة جيل تعتمد عليه خطط المستقبل يجب ان لاتبتعد عن حقيقية المشاكل المجتمعية التي تؤثر في اداء وفاعلية الجامعات في تحقيق هدفها بالتنشئة والتثقيف والاندماج الوطني باعتباره الاداة التي تنصهر فيها جميع التوجهات الفكرية والثقافية والدينية مما يجعلها قادرة على خلق رؤية وطنية تجمع ابناء الوطن بمختلف مكوناتهم .
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)