العفو والتسامح
في حياة الامام علي بن ابي طالب (رضي الله عنه)
الدكتور صلاح عريبي عباس
شمل الاسلام بيسره ورفقه وسماحته الناس جميعا ، فتسامح معهم في كثير من القضايا والاحكام ، ودعا الى تبني منهج العفو والتسامح بين الافراد والجماعات من اجل تجنب تكرار الشر والفساد ،واملا في ان يكون ذلك سبيلا للاصلاح ، وهذا ما نراه في قوله تعالى ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ أذ ان الدفع بالحسنى من شأنه ان يجلب المحبة والثقة بين الناس . وقد ارسل الله رسوله محمد (صلى الله عليه وسلم) رحمة للخلق قال تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ وقال عليه الصلاة والسلام (لايرحم الله من لا يرحم الناس ) ، والمتتبع لسيرة المصطفى (صلى لله عليه وسلم ) يجد ان العفو والتسامح عن المخطئين من صفاته ، ولان الامام علي بن ابي طالب كان التلميذ الأنجب لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومن خير السائرين على سنته حتى انه كان يقول عن اتباعه لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) (( كنت اتبعه اتباع الفصيل اثر امه ، يرفع لي في كل يوم من اخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به)) فقد كان العفو والتسامح منهجا وسلوكا في حياته جعلته معلم للحب والعفو الذي يرنو الى التسامي فوق النظرات الضيقة التي تقسم البشر الى طبقات وفئات عنصرية وطائفية وعشائرية.
كثيرة هي المواقف التي تدل على العفو والتسامح في حياة الامام علي رضي الله عنه فقد اقترنت شجاعته بالابتعاد عن البغي والعدوان ، فعلى الرغم من كثرة الحروب التي خاضها لم نجده يوما يبدا احدا بقتال او يقاتل احدا قبل ان يدعوه الى الجنوح الى السلم والرجوع الى الحق ، وهذا ما نراه واضحا في فعله مع الخوارج ومع معاوية ومع اصحاب وقعة الجمل . كما كان خلال معاركه مع الخارجين عليه يوصي رجاله بعدم الاجهاز على الجريح وقتل المولي واغتنام المال واستحلال الاعراض ، كما كان يعفو ويتسامح مع اخطر خصومه والد اعدائه ، وهذا ما يمكن ان نراه واضحا في فعله مع عبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص بعد معركة الجمل . وكثيرا ما كانت مروءته ملجا لخصومه ومثال ذلك ما قام به طلحة صاحب لواء قريش في معركة احد عندما طلب مبارزا فقال : يا اصحاب محمد ، تزعمون ان الله تعجلنا بأسيافكم الى النار ، ويعجلكم بأسيافنا الى الجنة ، فأيكم يبرز الى فبرز اليه الامام علي رض الله عنه وقال : والله لا افارقك حتى اعجلك بسيفي الى النار فاختلفا بضربتين فضربه علي فقطع رجله فأراد ان يجهز عليه فقال : ((انشدك الله والرحم يا ابن عم)) ..فأنصرف عنه ، ولكنه مات لساعته.
كما كان عليه السلام يكرم قتلى المسلمين فقد صلى في معركة الجمل على القتلى من اصحابه وخصومه ، لا بل انه اخذ يذكر ويذكر بفضل بعض من خصومه ، ومن ذلك انه عندما راى جثمان طلحة في معركة الجمل بكى حتى اخضلت لحيته ، وجعل يمسح التراب عن وجه طلحة وهو يقول : ((عزيز على ان اراك ابا محمد معفرا تحت نجوم السماء ، ابعد جهادك في الله ، وذبك عن رسول الله صلى عليه وسلم ؟ )) وتمنى لو قبضه الله قبل ذلك بعشرين سنة.
كما كان عليه السلام متسامحا حتى مع الذين يوجهون اليه الاهانه ويمكن ان نرى ذلك من خلال موقفه من صفيه ام طلحة حين قالت له : (( يا قاتل الاحبة ، يا مفرق الجماعة ، ايتم الله منك بنيك كما ايتمت ابنائي)) ، وحين كررت القول قال له رجل من أتباعه أغضبته مقالتها يا امير المؤمنين اتسكت عن هذه المراة وهي تقول ما تسمع ، فقال منتهرا الرجل :(ويحك انا امرنا ان نكف عن النساء وهن مشركات ، افلا نكف عنهن وهن مسلمات؟).
فضلا عما تقدم فان الامام علي كرم الله وجه كثيرا ما كان يوصي اولاده واصحابه بتبني منهج الحب والعفو والتسامح ونبذ ثقافة العنف والعدوان ونذكر من ذلك وصيته لابنه الحسن عليه السلام (( يا بني اجعل ميزانا فيما بينك وبين غيرك ، فأحب لغيرك ما تحب لنفسك ، واكره له ما تكره لها ، ولا تظلم كما لا تحب ان تظلم ، واحسن كما تحب ان يحسن اليك ، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك .. وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك)).
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق