العفو والتسامح
في حياة الامام علي بن ابي طالب (رضي الله عنه)
الدكتور صلاح عريبي عباس
شمل الاسلام بيسره ورفقه وسماحته الناس جميعا ، فتسامح معهم في كثير من القضايا والاحكام ، ودعا الى تبني منهج العفو والتسامح بين الافراد والجماعات من اجل تجنب تكرار الشر والفساد ،واملا في ان يكون ذلك سبيلا للاصلاح ، وهذا ما نراه في قوله تعالى ﴿ وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ﴾ أذ ان الدفع بالحسنى من شأنه ان يجلب المحبة والثقة بين الناس . وقد ارسل الله رسوله محمد (صلى الله عليه وسلم) رحمة للخلق قال تعالى ﴿وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ ﴾ وقال عليه الصلاة والسلام (لايرحم الله من لا يرحم الناس ) ، والمتتبع لسيرة المصطفى (صلى لله عليه وسلم ) يجد ان العفو والتسامح عن المخطئين من صفاته ، ولان الامام علي بن ابي طالب كان التلميذ الأنجب لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) ومن خير السائرين على سنته حتى انه كان يقول عن اتباعه لرسول الله (صلى الله عليه وسلم) (( كنت اتبعه اتباع الفصيل اثر امه ، يرفع لي في كل يوم من اخلاقه علما ويأمرني بالاقتداء به)) فقد كان العفو والتسامح منهجا وسلوكا في حياته جعلته معلم للحب والعفو الذي يرنو الى التسامي فوق النظرات الضيقة التي تقسم البشر الى طبقات وفئات عنصرية وطائفية وعشائرية.
كثيرة هي المواقف التي تدل على العفو والتسامح في حياة الامام علي رضي الله عنه فقد اقترنت شجاعته بالابتعاد عن البغي والعدوان ، فعلى الرغم من كثرة الحروب التي خاضها لم نجده يوما يبدا احدا بقتال او يقاتل احدا قبل ان يدعوه الى الجنوح الى السلم والرجوع الى الحق ، وهذا ما نراه واضحا في فعله مع الخوارج ومع معاوية ومع اصحاب وقعة الجمل . كما كان خلال معاركه مع الخارجين عليه يوصي رجاله بعدم الاجهاز على الجريح وقتل المولي واغتنام المال واستحلال الاعراض ، كما كان يعفو ويتسامح مع اخطر خصومه والد اعدائه ، وهذا ما يمكن ان نراه واضحا في فعله مع عبد الله بن الزبير ومروان بن الحكم وسعيد بن العاص بعد معركة الجمل . وكثيرا ما كانت مروءته ملجا لخصومه ومثال ذلك ما قام به طلحة صاحب لواء قريش في معركة احد عندما طلب مبارزا فقال : يا اصحاب محمد ، تزعمون ان الله تعجلنا بأسيافكم الى النار ، ويعجلكم بأسيافنا الى الجنة ، فأيكم يبرز الى فبرز اليه الامام علي رض الله عنه وقال : والله لا افارقك حتى اعجلك بسيفي الى النار فاختلفا بضربتين فضربه علي فقطع رجله فأراد ان يجهز عليه فقال : ((انشدك الله والرحم يا ابن عم)) ..فأنصرف عنه ، ولكنه مات لساعته.
كما كان عليه السلام يكرم قتلى المسلمين فقد صلى في معركة الجمل على القتلى من اصحابه وخصومه ، لا بل انه اخذ يذكر ويذكر بفضل بعض من خصومه ، ومن ذلك انه عندما راى جثمان طلحة في معركة الجمل بكى حتى اخضلت لحيته ، وجعل يمسح التراب عن وجه طلحة وهو يقول : ((عزيز على ان اراك ابا محمد معفرا تحت نجوم السماء ، ابعد جهادك في الله ، وذبك عن رسول الله صلى عليه وسلم ؟ )) وتمنى لو قبضه الله قبل ذلك بعشرين سنة.
كما كان عليه السلام متسامحا حتى مع الذين يوجهون اليه الاهانه ويمكن ان نرى ذلك من خلال موقفه من صفيه ام طلحة حين قالت له : (( يا قاتل الاحبة ، يا مفرق الجماعة ، ايتم الله منك بنيك كما ايتمت ابنائي)) ، وحين كررت القول قال له رجل من أتباعه أغضبته مقالتها يا امير المؤمنين اتسكت عن هذه المراة وهي تقول ما تسمع ، فقال منتهرا الرجل :(ويحك انا امرنا ان نكف عن النساء وهن مشركات ، افلا نكف عنهن وهن مسلمات؟).
فضلا عما تقدم فان الامام علي كرم الله وجه كثيرا ما كان يوصي اولاده واصحابه بتبني منهج الحب والعفو والتسامح ونبذ ثقافة العنف والعدوان ونذكر من ذلك وصيته لابنه الحسن عليه السلام (( يا بني اجعل ميزانا فيما بينك وبين غيرك ، فأحب لغيرك ما تحب لنفسك ، واكره له ما تكره لها ، ولا تظلم كما لا تحب ان تظلم ، واحسن كما تحب ان يحسن اليك ، واستقبح من نفسك ما تستقبحه من غيرك .. وارض من الناس بما ترضاه لهم من نفسك)).
الاثنين، 30 مايو 2011
دور الجامعات العراقية في تنمية وتطوير المجتمع
دور الجامعات العراقية في تنمية وتطوير المجتمع
د.صلاح عريبي عباس
كلية التربية جامعة كركوك
مما لاشك فيه ان من اهم وظائف الجامعات هي الاضطلاع بخدمة المجتمعات التي تتواجد فيها بحيث تكون نشاطاتها معبرة عن رغبة واتجاهات هذه المجتمعات .لذى تقع على الجامعات مهمة التفاعل مع المجتمع ومتطلباته والتخطيط لتنفيذ هذه المتطلبات , وفي المقابل يلعب المجتمع دورا بارزا في حماية الجامعات واستقرارها وتقديم العون لها , ولذلك فان التفاعل بين الجامعات والمجتمع هو تفاعل عضوي اذ لاوجود للجامعات دون المجتمعات ولا وجود للمجتمعات التي تسعى من اجل التنمية والتطور دون وجود الجامعات , ومن هذا المنطلق تقع اليوم على الجامعات العراقية ولاسيما بعد التغيرات الجوهرية التي شهدها العراق منذ عام 2003 مهمة اعداد الشباب المسلح بروح المعرفة العلمية والقادر على تحمل مسؤوليته في عملية التغيير. لا سيما وان الجامعات العراقية بقيت تسير في الاطار التقليدي فيما تقدمه من خدمات , ولم تسعى الى ان تمارس دورا اكثر شمولية بحيث يكون لها اسهام حقيقي في اعادة اللحمة بين مكونات الشعب العراقي ومواجهة التحديات التي تعصف بالبلاد , فلم نجد جامعة اقامة نشاطات من شأنها تعزيز الوحدة والوقوف بوجه موجة الطائفية والقومية وبيان مخاطر الارهاب واثره على امن واستقرار البلاد ,ولم نجد الدراسات الكافية التي يمكن من خلالها ان نعيد بناء العراق وبمختلف المجالات , بل ان جامعاتنا بدل من ان تكون رائدة في قيادة المجتمع وتغييره اصبحت تابعة تعكس سلبياته وتلهث ورائه , ولكي تقوم الجامعات بدورها الحقيقي في تطوير وتنمية المجتمع وتحقيق التقدم والازدهار في مختلف المجالات لابد من اعادة النظر في هيكل التعليم كله واوضاع الجامعات وتحويلها من مراكز تقليدية لتخريج الطلبة الى مراكز لبناء جيل جديد قادر على استيعاب المستجدات في العلوم والتكنولوجيا وثورة المعلومات المتدفقة , وحتى تستطيع الجامعات ان تؤدي دورها الفاعل لابد من التركيز في ضرورة تنمية الفكر العلمي , واخذ قضايا المجتمع ومشاكله المعقدة بنظر الاعتبار , وايجاد الحلول لها وخدمة المجتمع المهني والوطني والقومي والانساني , وبمعنى اخر فان فلسفة التعليم العالي واهدافه المطلوبة ينبغي ان تكون فلسلفة واضحة الاسس علمية التطبيق تربط بين التنمية التربوية والتنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية والتنمية الثقافية واخيرا التنمية السياسية وبناء على ما تقدم يمكن القول ان جامعاتنا وبالرغم من التقدم الذي حصل في بعض منها لم يتسنى لها بعد ان تصبح مؤسسات اصيلة ذات بنية ذاتية تسهم في حركة التغيير السياسي والثقافي والتربوي والفكري والاقتصادي والاجتماعي , ومعنى هذا انها لم تحقق بعد الحد الادنى من رسالتها لذلك نود ان نطرح السؤال التالي ما هو المطلوب من جامعاتنا اليوم لكي تقوم بدورها على الوجه الاكمل , وللاجابة على هذا السؤال نقدم جملة من المقترحات من شانها فيما لو اخذت بعين الاعتبار ان تسهم في تطور الجماعات وبالتالي تطور المجتمع وهي كالاتي ..
1.ادراك حقيقة ومدى التغييرات المعاصرة واثارها في شتى المجالات وهي ان العالم يتغير تعليميا وتكنلوجيا ونحن ايضا يجب ان نتغير وعلينا ادراك وفهم عوامل التغيير وتوظيفها لتحقيق طموحاتنا .
2.ادراك الواقع العراقي المعاصر (ايجابياته وسلبياته) وفحص مدى قدرته على استيعاب التغييرات واستثمارها دون الوقوع في سلبياتها حيث ان الواقع العراقي تغير منذ عام 2003 تغيرا شاملا سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وسلوكيا وتغيرت الكثير من القيم والمفاهيم وانماط العلاقات بين فئات المجتمع مما يوجب دراسة كل ذلك واستيعاب كيفية تطوير النظام الجامعي ليتفاعل مع كل هذه المتغيرات .
3.ابراز الدور القيادي الريادي للجامعات في تطوير المجتمعات المحلية وضرورة توفير وتشجيع الاستقلال الفكري والعلمي لهذه الجامعات والسماح بتمايزها واختلاف انماطها ونظمها بما يساعد على حرية الحركة في المجتمع ويكسبها القدرة على التأثير والتأثر والاشعاع العلمي .
4. ضرورة التاكيد على ان الجامعات ليست مجرد مؤسسات اكاديمية تخرج الطلبة , بل ان دورها اكبر من ذلك فهي بالاساس مراكز للبحث العلمي والتنوير الثقافي والمجتمعي . ولذلك يجب الارتقاء بها من خلال ما ياتي ك
1. ايجاد تنظيم اداري مرن متكيف مع تطورات العلمية واهداف العلمية التعليمة , فلا زالت الكتب الرسمية بين الجامعات والوزارة على سبيل المثال تصل بالطرق الكلاسيكية التقليدية عن طريق المعتمد وبالتالي تمضي ايام عليها الامر الذي يحرم الكثير من الاساتذة والطلبة من الاستفادة من بعض الامور ولاسيما الزمالات والبعثات والمؤتمرات.
2.تطوير المكتبات الجامعية واعطائها الاولوية القصوى باعتبارها الركيزة الثالثة بالجامعة بعد الاستاذ والطالب .
3.خلق مناخ ايجابي متميز يحقق لطلاب الجامعة فرصا أفضل للنمو العلمي والفكري والإسهام بأنشطة وممارسات هادفة لتنمية قدراتهم الفكرية والثقافية والرياضية وإعدادهم ليكونوا قادة في المجتمع .
4.تحقيق الانفتاح على المجتمع وانفتاح المجتمع على الجامعة من حيث ربط الجامعة بالمجتمع والتعرف على ما يدور في الجامعة من ابحاث وانشطة وفعاليات . وكذلك اجراء الندوات والمؤتمرات التي تعالج قضايا اجتماعية مهمة ودعوات شخصيات من مختلف اطياف المجتمع للمشاركة والحضور فيها سيما وان بلدنا اليوم متخم بهذه القضايا .
5.ان الجامعات هي النموذج الحقيقي والمجال الارحب لتطبيق النظام الديمقراطي باجلى معانية حيث الاساتذة والطلبة يتفاعلون في مناخ ايجابي يقوم على حرية التعبير واستقلالية الفكر واختلاف الرؤى والمدارس الفكرية لذلك من الواجب ان تكون الجامعة هي المنبر الحقيقي للتعريف بالديمقراطية وبالتالي تخرج طلبة مدركين لهذا المعنى وبامكانهم ممارسته في المجتمع ونقل ما يعرفونه الى باقي فئات المجتمع سيما وان الكثيرين لم يستوعبوا بعد معنى الديمقراطية لا بل اخذوا يمارسون الفوضوية باسم الديمقراطية.
6. تجديد المنهاج التعليمية وربطها بالخطط الشاملة لسد حاجات البلد من المهارات والاختصاصات الضرورية لمواكبة التقدم , خصوصا وان الكثير من المناهج التي لا زالت تدرس لحد الان هي مناهج عفى عليها الزمن واصبحت غير ملائمة لمتطلبات العصر وقسم منها يعكس رؤى من الماضي , فبعض المناهج الدراسية تعرف الطلبة بمختلف الشعوب والثقافات والاديان لكنها عموما تتحاشى التعريف بالفئات المحلية الدينية والقومية التي يتعايش معها الطالب في حياته اليومية ، بل ان ابناء هذه الفئات هم معه على مقاعد الدراسة ، فمثلا ان مناهج التاريخ تقدم للطالب التاريخ العربي فقط مع الغاء تام لدور الاكراد والتركمان والسريان في صنع هذا التاريخ ، لا بل كثيرا ما يتم ذكر هذه الفئات بصورة سلبية باعتبارها عناصر اعجمية دورها تخريبي في التاريخ العربي ، فكيف ننتظر الاخلاص والانتماء الوطني من اناس تنبذهم ثقافاتنا وتربيتنا الوطنية ، لذا من الواجب ان تكون هناك اعادة صياغة لهذه المناهج بنحو يقوي شعور الانتماء لدى مختلف ابناء الوطن الواحد. كما يجب ان تحتوي المناهج الدراسية على مبادئ وأساسيات المواطنة الصالحة وحب الانتماء للوطن وروح التضحية ، وطرق ووسائل حماية الانسان لنفسه وماله وفكره ، وعواقب الافكار الهدامة والاعمال غير المشروعة.
6. ان تركز الجامعات على تنمية القدره على التسامح واشاعة ثقافة السلام والحوار واحترام الاختلافات الثقافية والتركيز على المشتركات , وذلك من خلال اقامة الورش التدريبية والندوات والمؤتمرات والتعاون مع منظمات المجتمع المدني التي يعمل بعضها مشكورا بشكل جدي من اجل اشاعة هذه الثقافات.
7. العمل على تعزيز روح المواطنة وقيمها السامية , عن طريق بلورة وعي وطني يقدم الانتماء والولاء للدولة على الانتماءات والولاءات الجزئية باعتبار الجامعة اداة للصهر والاندماج الاجتماعي وبالتالي فان الجامعات قادرة على ترسيخ وتعزيز قيم المواطنة العراقية التي باتت تشكل مطلبا جوهريا في المرحلة المعاصرة من تاريخ العراق السياسي وحاجة ملحة من اجل مشاركة جميع العراقيين في بناء دولتهم الجديدة وتجاوز كل ما من شأنه ان يكون مدعاة للخلاف كون المواطنة تعني التوافق والمشاركة والاعتماد المتبادل في المجتمع .
واخيرا نقول ان الجامعات العراقية بوصفها مؤسسات علمية تهتم بتنشئة جيل تعتمد عليه خطط المستقبل يجب ان لاتبتعد عن حقيقية المشاكل المجتمعية التي تؤثر في اداء وفاعلية الجامعات في تحقيق هدفها بالتنشئة والتثقيف والاندماج الوطني باعتباره الاداة التي تنصهر فيها جميع التوجهات الفكرية والثقافية والدينية مما يجعلها قادرة على خلق رؤية وطنية تجمع ابناء الوطن بمختلف مكوناتهم .
د.صلاح عريبي عباس
كلية التربية جامعة كركوك
مما لاشك فيه ان من اهم وظائف الجامعات هي الاضطلاع بخدمة المجتمعات التي تتواجد فيها بحيث تكون نشاطاتها معبرة عن رغبة واتجاهات هذه المجتمعات .لذى تقع على الجامعات مهمة التفاعل مع المجتمع ومتطلباته والتخطيط لتنفيذ هذه المتطلبات , وفي المقابل يلعب المجتمع دورا بارزا في حماية الجامعات واستقرارها وتقديم العون لها , ولذلك فان التفاعل بين الجامعات والمجتمع هو تفاعل عضوي اذ لاوجود للجامعات دون المجتمعات ولا وجود للمجتمعات التي تسعى من اجل التنمية والتطور دون وجود الجامعات , ومن هذا المنطلق تقع اليوم على الجامعات العراقية ولاسيما بعد التغيرات الجوهرية التي شهدها العراق منذ عام 2003 مهمة اعداد الشباب المسلح بروح المعرفة العلمية والقادر على تحمل مسؤوليته في عملية التغيير. لا سيما وان الجامعات العراقية بقيت تسير في الاطار التقليدي فيما تقدمه من خدمات , ولم تسعى الى ان تمارس دورا اكثر شمولية بحيث يكون لها اسهام حقيقي في اعادة اللحمة بين مكونات الشعب العراقي ومواجهة التحديات التي تعصف بالبلاد , فلم نجد جامعة اقامة نشاطات من شأنها تعزيز الوحدة والوقوف بوجه موجة الطائفية والقومية وبيان مخاطر الارهاب واثره على امن واستقرار البلاد ,ولم نجد الدراسات الكافية التي يمكن من خلالها ان نعيد بناء العراق وبمختلف المجالات , بل ان جامعاتنا بدل من ان تكون رائدة في قيادة المجتمع وتغييره اصبحت تابعة تعكس سلبياته وتلهث ورائه , ولكي تقوم الجامعات بدورها الحقيقي في تطوير وتنمية المجتمع وتحقيق التقدم والازدهار في مختلف المجالات لابد من اعادة النظر في هيكل التعليم كله واوضاع الجامعات وتحويلها من مراكز تقليدية لتخريج الطلبة الى مراكز لبناء جيل جديد قادر على استيعاب المستجدات في العلوم والتكنولوجيا وثورة المعلومات المتدفقة , وحتى تستطيع الجامعات ان تؤدي دورها الفاعل لابد من التركيز في ضرورة تنمية الفكر العلمي , واخذ قضايا المجتمع ومشاكله المعقدة بنظر الاعتبار , وايجاد الحلول لها وخدمة المجتمع المهني والوطني والقومي والانساني , وبمعنى اخر فان فلسفة التعليم العالي واهدافه المطلوبة ينبغي ان تكون فلسلفة واضحة الاسس علمية التطبيق تربط بين التنمية التربوية والتنمية الاقتصادية والتنمية الاجتماعية والتنمية الثقافية واخيرا التنمية السياسية وبناء على ما تقدم يمكن القول ان جامعاتنا وبالرغم من التقدم الذي حصل في بعض منها لم يتسنى لها بعد ان تصبح مؤسسات اصيلة ذات بنية ذاتية تسهم في حركة التغيير السياسي والثقافي والتربوي والفكري والاقتصادي والاجتماعي , ومعنى هذا انها لم تحقق بعد الحد الادنى من رسالتها لذلك نود ان نطرح السؤال التالي ما هو المطلوب من جامعاتنا اليوم لكي تقوم بدورها على الوجه الاكمل , وللاجابة على هذا السؤال نقدم جملة من المقترحات من شانها فيما لو اخذت بعين الاعتبار ان تسهم في تطور الجماعات وبالتالي تطور المجتمع وهي كالاتي ..
1.ادراك حقيقة ومدى التغييرات المعاصرة واثارها في شتى المجالات وهي ان العالم يتغير تعليميا وتكنلوجيا ونحن ايضا يجب ان نتغير وعلينا ادراك وفهم عوامل التغيير وتوظيفها لتحقيق طموحاتنا .
2.ادراك الواقع العراقي المعاصر (ايجابياته وسلبياته) وفحص مدى قدرته على استيعاب التغييرات واستثمارها دون الوقوع في سلبياتها حيث ان الواقع العراقي تغير منذ عام 2003 تغيرا شاملا سياسيا واقتصاديا وثقافيا واجتماعيا وسلوكيا وتغيرت الكثير من القيم والمفاهيم وانماط العلاقات بين فئات المجتمع مما يوجب دراسة كل ذلك واستيعاب كيفية تطوير النظام الجامعي ليتفاعل مع كل هذه المتغيرات .
3.ابراز الدور القيادي الريادي للجامعات في تطوير المجتمعات المحلية وضرورة توفير وتشجيع الاستقلال الفكري والعلمي لهذه الجامعات والسماح بتمايزها واختلاف انماطها ونظمها بما يساعد على حرية الحركة في المجتمع ويكسبها القدرة على التأثير والتأثر والاشعاع العلمي .
4. ضرورة التاكيد على ان الجامعات ليست مجرد مؤسسات اكاديمية تخرج الطلبة , بل ان دورها اكبر من ذلك فهي بالاساس مراكز للبحث العلمي والتنوير الثقافي والمجتمعي . ولذلك يجب الارتقاء بها من خلال ما ياتي ك
1. ايجاد تنظيم اداري مرن متكيف مع تطورات العلمية واهداف العلمية التعليمة , فلا زالت الكتب الرسمية بين الجامعات والوزارة على سبيل المثال تصل بالطرق الكلاسيكية التقليدية عن طريق المعتمد وبالتالي تمضي ايام عليها الامر الذي يحرم الكثير من الاساتذة والطلبة من الاستفادة من بعض الامور ولاسيما الزمالات والبعثات والمؤتمرات.
2.تطوير المكتبات الجامعية واعطائها الاولوية القصوى باعتبارها الركيزة الثالثة بالجامعة بعد الاستاذ والطالب .
3.خلق مناخ ايجابي متميز يحقق لطلاب الجامعة فرصا أفضل للنمو العلمي والفكري والإسهام بأنشطة وممارسات هادفة لتنمية قدراتهم الفكرية والثقافية والرياضية وإعدادهم ليكونوا قادة في المجتمع .
4.تحقيق الانفتاح على المجتمع وانفتاح المجتمع على الجامعة من حيث ربط الجامعة بالمجتمع والتعرف على ما يدور في الجامعة من ابحاث وانشطة وفعاليات . وكذلك اجراء الندوات والمؤتمرات التي تعالج قضايا اجتماعية مهمة ودعوات شخصيات من مختلف اطياف المجتمع للمشاركة والحضور فيها سيما وان بلدنا اليوم متخم بهذه القضايا .
5.ان الجامعات هي النموذج الحقيقي والمجال الارحب لتطبيق النظام الديمقراطي باجلى معانية حيث الاساتذة والطلبة يتفاعلون في مناخ ايجابي يقوم على حرية التعبير واستقلالية الفكر واختلاف الرؤى والمدارس الفكرية لذلك من الواجب ان تكون الجامعة هي المنبر الحقيقي للتعريف بالديمقراطية وبالتالي تخرج طلبة مدركين لهذا المعنى وبامكانهم ممارسته في المجتمع ونقل ما يعرفونه الى باقي فئات المجتمع سيما وان الكثيرين لم يستوعبوا بعد معنى الديمقراطية لا بل اخذوا يمارسون الفوضوية باسم الديمقراطية.
6. تجديد المنهاج التعليمية وربطها بالخطط الشاملة لسد حاجات البلد من المهارات والاختصاصات الضرورية لمواكبة التقدم , خصوصا وان الكثير من المناهج التي لا زالت تدرس لحد الان هي مناهج عفى عليها الزمن واصبحت غير ملائمة لمتطلبات العصر وقسم منها يعكس رؤى من الماضي , فبعض المناهج الدراسية تعرف الطلبة بمختلف الشعوب والثقافات والاديان لكنها عموما تتحاشى التعريف بالفئات المحلية الدينية والقومية التي يتعايش معها الطالب في حياته اليومية ، بل ان ابناء هذه الفئات هم معه على مقاعد الدراسة ، فمثلا ان مناهج التاريخ تقدم للطالب التاريخ العربي فقط مع الغاء تام لدور الاكراد والتركمان والسريان في صنع هذا التاريخ ، لا بل كثيرا ما يتم ذكر هذه الفئات بصورة سلبية باعتبارها عناصر اعجمية دورها تخريبي في التاريخ العربي ، فكيف ننتظر الاخلاص والانتماء الوطني من اناس تنبذهم ثقافاتنا وتربيتنا الوطنية ، لذا من الواجب ان تكون هناك اعادة صياغة لهذه المناهج بنحو يقوي شعور الانتماء لدى مختلف ابناء الوطن الواحد. كما يجب ان تحتوي المناهج الدراسية على مبادئ وأساسيات المواطنة الصالحة وحب الانتماء للوطن وروح التضحية ، وطرق ووسائل حماية الانسان لنفسه وماله وفكره ، وعواقب الافكار الهدامة والاعمال غير المشروعة.
6. ان تركز الجامعات على تنمية القدره على التسامح واشاعة ثقافة السلام والحوار واحترام الاختلافات الثقافية والتركيز على المشتركات , وذلك من خلال اقامة الورش التدريبية والندوات والمؤتمرات والتعاون مع منظمات المجتمع المدني التي يعمل بعضها مشكورا بشكل جدي من اجل اشاعة هذه الثقافات.
7. العمل على تعزيز روح المواطنة وقيمها السامية , عن طريق بلورة وعي وطني يقدم الانتماء والولاء للدولة على الانتماءات والولاءات الجزئية باعتبار الجامعة اداة للصهر والاندماج الاجتماعي وبالتالي فان الجامعات قادرة على ترسيخ وتعزيز قيم المواطنة العراقية التي باتت تشكل مطلبا جوهريا في المرحلة المعاصرة من تاريخ العراق السياسي وحاجة ملحة من اجل مشاركة جميع العراقيين في بناء دولتهم الجديدة وتجاوز كل ما من شأنه ان يكون مدعاة للخلاف كون المواطنة تعني التوافق والمشاركة والاعتماد المتبادل في المجتمع .
واخيرا نقول ان الجامعات العراقية بوصفها مؤسسات علمية تهتم بتنشئة جيل تعتمد عليه خطط المستقبل يجب ان لاتبتعد عن حقيقية المشاكل المجتمعية التي تؤثر في اداء وفاعلية الجامعات في تحقيق هدفها بالتنشئة والتثقيف والاندماج الوطني باعتباره الاداة التي تنصهر فيها جميع التوجهات الفكرية والثقافية والدينية مما يجعلها قادرة على خلق رؤية وطنية تجمع ابناء الوطن بمختلف مكوناتهم .
الاشتراك في:
الرسائل (Atom)